User Guide
Why can I only view 3 results?
You can also view all results when you are connected from the network of member institutions only. For non-member institutions, we are opening a 1-month free trial version if institution officials apply.
So many results that aren't mine?
References in many bibliographies are sometimes referred to as "Surname, I", so the citations of academics whose Surname and initials are the same may occasionally interfere. This problem is often the case with citation indexes all over the world.
How can I see only citations to my article?
After searching the name of your article, you can see the references to the article you selected as soon as you click on the details section.
 ASOS INDEKS
 Views 15
المجاهدة والتوريث عند النورسي - Dr. Sirhan b. Khamis: Bedi’uzzaman al-Nursi’s Views on Striving and Heredity as Propounded in the Risale-i Nur
2014
Journal:  
AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization
Author:  
Abstract:

ar enالمجاهدة والتوريث عند بديع الزم المجاهدة والتوريث عند بديع الزمان النورسي من خلال رسائل النور –ABSTRACT– Bedi'uzzaman al-Nursi's Views on Striving and Heredity as Propounded in the Risale-i Nur Dr. Sirhan b. Khamis NURSI believes that the Quran's inspiration didn't cease but it's still rebirthing, and that this rebirth and renovation is concerned with recitation (reading). This would not be unless there is a clear method to read text contents through the heirs' graduation between the recitation grades where this recitation needs the reader's understanding and explanation through his personal experience. When this experience changes over the spanning of time, the grant is renewed again through another reading where the heirs graduate and escalade between its grades and so on. All this will come when we rely on both the holiness and venerability of the text. This will push people to follow up the orders more than the power of the proof and the hardness of the evidence. The prophetic heritage rationalizes the mind to settle down within Muhammad's instructions. This heritage tends to change real life gradually. *** – ملخص البحث – د. سرحان بن خميس1 يؤمن النورسي أن وحي القرآن لم ينقطع عن تجدد العطاء؛ حيث إن هذا التجدد يتعلق بالقراءة، ولا يكون ذلك إلا بمنهج واضح لقراءة مضامين النص عبر ترقي الورثة بين مراتب القراءة من خلال المجاهدة، حيث إن هذه القراءة محتاجة لفهم وتفسير القارئ عبر تجربته الحياتية، فإذا تغيرت التجربة عبر الزمن تجدد العطاء عبر قراءة أخرى يترقى الورثة بين مراتبها وهكذا... كل هذا من خلال الرهان على قدسية النص وهيبته، فهو الذي يدفع الناس إلى الانقياد، أكثر من قوة البرهان ومتانة الحجة، وإرث النبوة يقوم بترشيد التعقل أو التفلسف ليتأطر بأطر تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم، وإرث النبوة يغير الواقع من خلال صيرورة غائية ينجذب الواقع عبرها إلى إرث النبوة تدريجيا. *** إشكالية البحث يقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾،الذاريات:56 وكمال العبادة معرفة الله تعالى الذي لا يعرف، والتوجه الخالص إليه، حيث إن التوجه لا ينفك عن المجاهدة، حيث يقول الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.العنكبوت:69 ومن الذين جاهدوا في الله حق جهاده الإمام العلامة بديع الزمان النورسي؛ إذ هداه الله تعالى إلى سبله التي قررها لأنها تفضي إلى مرتبة الإحسان، فلم يتعرف الإمام النورسي إلى هذه السبل بنظره العقلي المجرد، إنما كانت قواعد ضبط بها الإمام سلوكياته ومنهجيته في الواقع المعيش. فإذا قلنا إن كمال العبودية هو معرفة المعبود عند الإمام بديع الزمان النورسي، فهل إن هذه المعرفة توريث من الله تعالى عن خاتم الرسل والنبيين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؟ وهل إن هذا التوريث في رأي الإمام النورسي تكليف أو تشريف؟ وكيف ندرك التوريث الإلهي عن خاتم الرسل، أيكون ذلك بالرهان على المعاني الثاوية في نصوص الوحي، أم يكون ذلك بكسر هيبة النص من خلال الاستنطاق؟ وما دور ذلك الإرث في ترشيد العقل الإنساني؟ أما أهمية هذا البحث فتبرز من جانبين، أولهما: من حيث موضوعه، وثانيهما: من حيث منهجه. أولا: فمن حيث الموضوع: أرى أن فهم حقيقة التوريث عند بديع الزمان النورسي، ضرورة لابد منها لكي ندرك -إدراكا سليما- المسار الذي رسمه الإمام النورسي لنفسه، والمسار الذي سيرسمه مشروع رسائل النور للأمة الإسلامية. ثانيا: أما من حيث المنهج: فإن هذا البحث دراسة استقرائية تحليلية تنطلق من كتابات النورسي أولا، ثم من الواقع ثانيا، وتصنع مضامينها عبرهما وتبني نتائجها من خلال ذلك. أما المنهج المتبع في البحث فإن هذه الدراسة تصب في إطار الدراسة التاريخية لمسألة التوريث عند النورسي وذلك يقتضي منهجا استقرائيا تحليليا. استقرائي لرصد ما كتبه النورسي حول الموضوع. تحليلي لتفكيك تلك الكتابات إلى عناصرها الجزئية لاستبيان ملامح المعنى من خلالها. هذا ما يحاول البحث عرضه وتحقيقه من خلال منهجه، وبالقدر الذي تسمح به المساحة المتاحة من خلال أربعة عناصر متكاملة. أولا: الهيبة الساحقة للنص وجهد تحرير المعنى: يعتبر القرآن الكريم مصدرا أخلاقيا ومعرفيا للإنسان، من جانب منهجه الموظف في بيان نظامه، ومن جانب موضوعاته، التي تشمل حياة الإنسان كلها، يقول النورسي بعد ذكر أمثلة: "فشاهد في ضوء هذه الأمثلة ثروة القرآن الطائلة وغناه الواسع في معرفة الله في ميدان العلم والحكمة... وهنا نجد في القرآن الكريم آلافا من القرائن حتى إنّه يهب لكل ذي مشرب قرآنا منه".2 ويفهم من هذا النص للإمام عليه رحمة الله أن وحي القرآن من الكتاب لم ينقطع عن تجدد العطاء والكرم، والتنزل المجيد المتجدد من يوم تنزيله وإلى يومنا هذا، عبر ترقي الورثة بين مراتب القراءة؛ فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، وهل يكون العلم إلا بالقراءة؟ هنا يقابل الإمام النورسي عليه رحمة الله قراءة القرآن بقراءة الكون حيث يقول: "ثم إن في أسلوب القرآن جزالة وسلاسة وفطرية، حتى كأن القرآن حافظ قارئ يقرأ الآيات المكتوبة بقلم القدرة على صفحات الكون، وكأنه قراءة لكتاب الكون، وتلاوة لنظاماته، تتلو شئون النقّاش الأزلي سبحانه، ويكتب أفعاله".3 فكما أن القرآن الكريم كان دليلا على صِدق محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته، فنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دليل القرآن في الفهم والتطبيق والتأسي؛ أي إن القرآن الكريم محتاج لفهم وتفسير محمد ومن يلي محمدا؛ إن القرآن محتاج لتطبيق قيمه وتشريعاته، إنه محتاج للقراءة، وهل القراءة إلا ذلك التعبير الذي يتسع لمعرفة حقائق الأمور والظواهر، إنه ذلك التعبير المتسع لمعرفة حقيقة كلمات الله، وهل محاولة معرفة كلمات الله تعالى إلا محاولة لمعرفته سبحانه، فهو عظيم في خلقه وعظيم في كلماته. ولكن كيف فهم الإمام النورسي رحمه الله القراءة، وما ضوابطها عنده؟ وهل راهن الإمام النورسي رحمه الله على المقاربة المعنوية، أو قام باستنطاق النصوص ليفهمها؟ راهن الإمام النورسي أولا على هيبة النص القرآني؛ إذ يساق جمهور الناس إلى إتباع القرآن الكريم وامتثال أوامره لما يتحلى به من قدسية، هذه القدسية هي التي تدفع جمهور الناس إلى الانقياد، أكثر من قوة البرهان ومتانة الحجة، فينبغي إذن –كما يقول- أن تكون كل كتبنا المبنية عليه شفافة تعرض قدسية القرآن الكريم، وليس حجابا دونه، أو بديلا عنه.4 في وقت يحاول بعض المنتسبين للحداثة نزع هذه القداسة النصية لأنها في رأيهم تنقص التفاعل مع النص؛ فهذا محمد أركون ينطلق من ملاحظة منهجية بخصوص التعامل السائد مع النص القرآني، فهو يعتبر أن المسلمين يستهلكون القرآن في حياتهم اليومية، ولا يخضعونه للدراسة والتفحص الألسني،5 ويشرح أهمية الدرس اللساني بقوله: "إن التحليل السيميائي يقدم لنا فرصة ذهبية لكي نمارس تدريبا منهجيا ممتازا، يهدف إلى فهم كل المستويات اللغوية التي يتشكل المعنى (أو يتولد) من خلالها، وهذه الخطوة المنهجية تمتلك أيضا رهانات ابستمولوجية،6 فهي تتيح لنا أن نترك مسافة نقدية فكرية بيننا وبين الخطاب القرآني7، ومن بين النتائج التي نجنيها من خلال هذه القراءة الانفعال الروحي والجمال الأخلاقي ومتعة النص المقروء واكتشاف قيم الحق والخير والجمال.8 ودعا عبد المجيد الشرفي إلى وضع القرآن الكريم والسنة النبوية على محك النقد بعيدا عن التقديس وحرفية النصوص،9 سعيا إلى رفع عائق القدسية كما قال طه عبد الرحمن.10 إن التنويه بهيبة النص لا قيمة لها ما لم تعط ضمانات عن القراءة التي تؤتي أكلها في الواقع المعيش، بعيدا عن تقديس ما لا يقدس، ونعني بذلك ما تمخض عن النص الأصلي من كتابات مفسرة وشارحة في مختلف المجالات، حيث إن هذه الكتابات تحجب بفعل بعض المقلدين الجامدين الحقائق الدينية الأصلية القرآنية، وذلك من خلال التركيز على النصوص الشارحة ممثلة في المنتج الفقهي، وإبعاد أصل ما جعلت له شارحة، وفي هذا يقترح الإمام النورسي: "تحويل تلك الكتب الفقهية تدريجيا إلى كتب يستشف منها فيض القرآن الكريم، أي تصبح تفسيرا له، ويمكن أن يتم هذا باتباع طرق تربوية منهجية خاصة... فعندئذ لا تقرأ هذه الكتب وغيرها بقصد ما يقوله مؤلفو تلك الكتب، بل يقرأ لأجل فهم ما يأمر به القرآن الكريم، وهذا الطريق بحاجة إلى زمن مديد".11 ما نستشفه من هذا النص للإمام النورسي هو منهجية القراءة المطلوبة لنصوص التراث أين وضع الإمام قانونا لتفسير النص التراثي مطالبا القارئ أو الباحث من أن يتباعد عن ذاته وعن أفقه التاريخي الراهن، وأن يتباعد في الوقت نفسه عن ذاتية وراهنية الكاتب ليفهم النص كما أراد القرآن أن يُفهم. أما منهجية قراءة القرآن عند النورسي، فإنها تتضح من خلال مبدأين: المبدأ الأول: أن كلية القراءة القرآنية تنتج منهجا جدليا يتفاعل فيه النص مع العقل البشري يهيمن من خلاله على الأبعاد الكاملة للفلسفة الكونية بما فيها مقتضيات التشريع، وما يندرج من موضوعات ترد إلى أصول المنهج. وفي هذا يقول الإمام النورسي رحمه الله: "إن جمل القرآن الحكيم لا تنحصر في معنى واحد، بل هي في حكم كلي يتضمن معاني لكل طبقة من طبقات البشرية، وذلك لكون القرآن الكريم خطابا لعموم طبقات البشر. لذا فالمعاني المبينة هي في حكم جزئيات لتلك القاعدة الكلية، فيذكر كل مفسر، وكل عارف بالله جزءا من ذلك المعنى الكلى ويستند في تفسيره هذا إما إلى كشفياته أو إلى دليله أو إلى مشربه، فيرجح معنى من المعاني".12 ذلك الجدل بين النص والمفسر هو هذا التفاعل المستمر بين العقل البشري والمعطى الإلهي والذي يحاول فهم فلسفة هذه الكونية العريضة بكل ما فيها من معاني. المبدأ الثاني: تؤدي القراءة المنهجية للقرآن كما فهمها النورسي إلى تحديد فحوى الدلالات الوسيطة والرمزية في لغته، حيث يوضع عنها الالتباس والغموض. ونلحظ هذا في ذلك الانفتاح للإمام النورسي بكل قواه الإبداعية والإدراكية على ذلك الجمال الكوني ليقول: "قبل ثلاثين سنة تقريبا وفي هذا الموسم حيث تتفتح أزاهير أشجار اللوز، كنت أتجول هنا "مشيرا إلى الأشجار والبساتين" وإذا بالآية الكريمة: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾الروم:50 ترد إلى خاطري، وفتح الله علي هذه الآية في ذلك اليوم فكنت أسير وأتجول وأتلوها بصوت عال حتى قرأتها أربعين مرة، وفي المساء ألفت رسالة الحشر "الكلمة العاشرة" مع الحافظ توفيق الشامي "أي أمليت عليه الرسالة وكتبه".13 حقا إنه رقي تفاعلي مع كلمات ربانية قلما نجد له مثيلا في العالم، وأنّى لنا أن نعيش هذه اللحظات، وهذه الفتوحات، إلا من فتح الله له تذوق آيات رحمته، والتي يجدها في كل شيء خلقه المولى عز وجل. إن القرآن في فكر النورسي هو كتاب الإنسان أو كتاب قد نزل لأجل الإنسان،14 ففي هذا الجانب فإن القراءة قراءة الإنسان. فالنصّ القرآني عند النورسي هو النصُّ الوحيدُ الذي تكون علاقتُهُ عكسيةٌ بالقارئ؛ فكلمّا احترم القارئ النصّ ومنع نفسه من الجرأة عليه، ليطوف حوله من بعيدٍ كلما منحه النصّ معرفةً تتناسب عكسياً مع هذا البعد. فالنصّ إذا ظهر لك وهو يتحدّث عن الطبيعة مثلاً، فهو يتحدّث في حقيقة الأمر عن العقائد وعلم النفس وعن جميع المعارف الأخرى، من خلال اقترانه بألفاظ النصوص الأخرى التي بدورها تكشف لك المزيد من أسرار النصّ. وهكذا لم يقم الإمام باستنطاق النص المقدس، ولم يتجرأ عليه، ليوافق النص ما أراد الإمام من أفكار أو أيديولوجية، وإنما راهن على ترك القرآن يفصح عن نفسه، حتى إنه قال عن رسائل النور "أخذتني الأقدار نفيا من مدينة إلى أخرى.. وفي هذه الأثناء تولدت من صميم قلبي معاني جليلة، نابعة من فيوضات القرآن الكريم.. أمليتها على من حولي من الأشخاص، تلك الرسائل التي أطلقت عليها (رسائل النور)، إنها انبعثت حقا من نور القرآن الكريم. لذا نبع هذا الاسم من صميم وجداني، فأنا على قناعة تامة ويقين جازم بأن هذه الرسائل ليست مما مضغته أفكاري، وإنما إلهام إلهي أفاضه الله سبحانه على قلبي من نور القرآن الكريم، فباركت كل من استنسخه".15 ثانيا: سبل المجاهدة والتوريث أرجع الله تعالى الاهتداء لسبل المجاهدة إليه ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾،العنكبوت:69 فهي سبل يقررها هو سبحانه وتعالى لأنها تفضي إلى مرتبة الإحسان، فلا يكون التعرف إلى هذه السبل بمجرد النظر العقلي ثم ضبطها بقواعد سلوكية ومنهجية يلتزمها السالكون، ولكنها مجاهدة شاملة ودائمة أقلها الصلاة؛ نعم! لقد شاهدوا بوضوح تفاصيل فريضة الصلاة وارتقوا في مقاماتها الرفيعة التي تشير إليها أذكارها وحركاتُها المتنوعة، على النحو الآتي: أولا: بمشاهدتهم الآثار الربانية المبثوثة في الكون، وجدوا أنفسهم في مقام المشاهدين محاسن عظمة الربوبية، بمعاملة غيابية، فأدّوا وظيفة التكبير والتسبيح، قائلين: الله أكبر. ثانياً: وبظهورهم في مقام الدعاة والإدلاء إلى بدائع صنائعه سبحانه وآثاره الساطعة، التي هي جلوات أسمائه الحسنى، أدّوا وظيفة التقديس والتحميد بقولهم: سبحان الله والحمد لله. ثالثاً: وفي مقام إدراك النعم المدخرة في خزائن الرحمة الإلهية وتذوقها بحواسَ ظاهرة وباطنة شرعوا بوظيفة الشكر والحمد. رابعاً: وفي مقام معرفة جواهر كنوز الأسماء الحسنى وتقديرها حق قدرها بموازين الأجهزة المعنوية المودعة فيهم، بدؤوا بوظيفة التنزيه والثناء. خامساً: وفي مقام مطالعة الرسائل الربانية المسطرّة بقلم قدرته تعالى على صحيفة القَدَر، باشروا بوظيفة التفكر والإعجاب والاستحسان.16 فالصلاة الدائمة وفيها كلية الالتزام الديني هي مدخل المجاهدة الضرورية لدى السالك نحو العبودية إلى أن يهديه الله سبله باتجاه الإحسان ومرتبته، حيث يتحقق كمال العبودية لله. وبما أن كمال العبودية هي معرفة المعبود فإن المعرفة لا تكون إلا توريثا من الله عز وجل عن خاتم الرسل والنبيين محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.الأحزاب:40 عن خاتم الرسل والنبيين يكون التوريث، ومن بعده الورثة فقط يرتقون إلى مرتبة الإحسان، ولقد ورِث العلماء علم الرسول صلى الله عليه وسلم والمتصوفة عمله، لذا يطلق على من يرث علم الرسول وعمله معاً ذي الجناحين وعليه فالمقصود من الطريقة العمل بالعزائم دون الرخص، والتخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم والتزكية من الأسقام المعنوية كافة والفناء في رضا الله تعالى، والذي يحوز على هذه المرتبة العظمى لا شك أنه من أهل الحقيقة. وهذا يعني أنه قد توصل إلى الغاية المقصودة والمطلوبة من الطريقة. ولكون نيل هذه المرتبة العظمى لا يتيسر لكل أحد، وضع عظماؤنا قواعد معينة تُوصل إلى الهدف المقصود بيسر وسهولة. والخلاصة: إن الطريقة تدور ضمن دائرة الشريعة، فالساقط منها يسقط في دائرة الشريعة، أما الذي يخرج من دائرة الشريعة -معاذ الله- فإنه يخسر خسراناً مبيناً.17 إذا كانت النبوة تكليف ثقيل، وعبء عظيم جداً، لا يُحمل إلا بعد نمو الملكات العقلية ونضوجها وتكامل الاستعدادات القلبية، وإذا كان أهل الإيمان مكلفون شرعاً بحب الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم غاية الحب وبتوقيره واحترامه أكثر من أي إنسان آخر، وبعدم النفور من أي شيء يخصه، بل رؤية كل حال من أحواله جميلة نزيهة،18 فإن هذا الحب للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا التوقير والاحترام، لم ولن يكون تشريفا، إلا بعد قيام الوريث بمقتضيات التكليف؛ فإذا التزم الوريث بما كلف به، وجاهد واجتهد كان له شرف الوراثة، وإلا فلن يكون له شيء. فالإرث تكليف إذا انصرف عنه المكلف أو باعه بمتاع الحياة الدنيا عوقب ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)﴾.الأعراف:175-178 ولن يكون الخسران لمؤمن يحمل في قلبه الإيمان والإخلاص ويستشعره في كينونته كل آن، لابد أنه يدع تأثير البريق الكاذب الذي يستخلفه مفهوما الزمان والمكان على أبناء الفناء القاصرين العاجزين في عالم المادة الكثيف فينطلق بروحه إلى العالم المعنوي الشاسع آفاقه الفياض بالنور والهدى.19 ولن يكون ذلك الإيمان مرتبة واحدة، ولن يكون ذلك التوريث كذلك قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)﴾.فاطر:31-32 وفي هذا قال الإمام رحمه الله: "أجل إن لكل مؤمن حالاً يخصّه من الطمأنينة والحضور والخشوع والتجرد والفيض والاستغراق، والكل ينهل بقدر إيمانه وعلمه وتقواه وبنسبة استفاضته من هذه السكينة الإلهية. ولكن هذا الحال الندي بجماله، والوصال العذب بطراوته وهذه السكينة الفريدة بجدتها دائمة النزول على أرباب الإحسان، أولئك المجاهدون العظام... لا يقعون في غفلة نسيان المولى الكريم، فيبارزون ويصارعون كالأسود الضواري أنفسهم الأمارة بالسوء طوال حياتهم، وكل لحظة من لحظات عمرهم تسجل أروع ذكريات التكمل والترقي. فإنهم ينصهرون بكل موجوديتهم وديمومتهم في رضا رب العالمين المتصف بصفات الجمال والجلال والكمال.20 ما يفهم من نص الإمام بديع الزمان النورسي رحمه الله أن هؤلاء الورثة يورثهم الله تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم، أيا كان مقامهم في العوالم الثلاثة فيرون الوجود بعين الله تعالى؛ فهناك الوارث الظالم لنفسه، إذ أمامه مقامات الترقي ولكنه يبقى أسير عالمه هذا، وهناك الوارث المقتصد الذي زاد إيمانه وتقواه عن الظالم لنفسه ومقامه بين المقامين الآخرين، ووارث سابق بالخيرات وهو في أعلى العوالم. هذه الاستمرارية المتجددة باتجاه المستقبل عبر الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات ليست نبوة ولا عصمة ولا تجديدا، وإنما علاقة توريث يتفاعل فيها وحي الكتاب مع السالك في هذا العصر محررا المعنى لا من خلال باطنية ذاتية أو عصرنة مفتعلة نستنطق من خلالها الآيات البيِّنات. ثالثا: إرث النبوة طريق لترشيد التعقل والتفلسف يقول رحمه الله تعالى: "في تاريخ البشرية منذ القدم وإلى الوقت الحاضر تيارين عظيمين وسلسلتين للأفكار، يجريان عبر الأزمنة والعصور، كأنهما شجرتان ضخمتان أرسلتا أغصانهما وفروعَهما في كل صوب، وفي كل طبقة من طبقات الإنسانية. إحداهما: سلسلة النبوة والدين. والأخرى: سلسلة الفلسفة والحكمة. فمتى كانت هاتان السلسلتان متحدتين وممتزجتين، أي في أي وقت أو عصر استجارت الفلسفة بالدين وانقادت إليه وأصبحت في طاعته، انتعشت الإنسانية بالسعادة وعاشت حياة اجتماعية هنيئة. ومتى ما انفرجت الشقة بينهما وافترقتا، احتشد النور والخير كله حول سلسلة النبوة والدين، وتجمعت الشرور والضلالات كلها حول سلسلة الفلسفة".21 إن للتعقل الإنساني من خلال كمال الإنسان نبوته، أي نبوءة العقل، التي بمقدورها اكتشاف علاقة الإنسان بالطبيعة، وفق منطق علمي استقرائي يحاول البحث في الظاهرة الطبيعية وعلاقتها بالوجود الإنساني، ولكن إن ترك هذا التعقل بعيدا عن إرث النبوة فإنه في الغالب يقود إلى الإلحاد والتمرد على الفطرة السليمة التي فطر الله الإنسان عليها. إن إرث النبوة لا يحارب التعقل والتفلسف، بل يصوبهما كي يكونا في مصلحة الإنسانية وذلك حين تنقاد العقلانية والفلسفة إلى إرث النبوة، وتصبان في مصلحة الإنسان، حين لا يعيش تناقض أفكاره وتصادمها، وهذا ما يدعو إليه إرث النبوة، وفي هذا يقول الإمام بديع الزمان النورسي: "لابد أن نذكّر" أن الفلسفة التي تهاجمها رسائل النور وتصفعها بصفعاتها القوية، هي الفلسفة المضرة وحدها، وليست الفلسفة على إطلاقها، ذلك لأن قسم الحكمة من الفلسفة التي تخدم الحياة الاجتماعية البشرية، وتعين الأخلاق والمثل الإنسانية، وتمهّد السبل للرقي الصناعي، هي في وفاق ومصالحة مع القرآن الكريم، بل هي خادمة لحكمة القرآن، ولا تعارضها، ولا يسعها ذلك؛ لذا لا تتصدى رسائل النور لهذا القسم من الفلسفة. أما القسم الثاني من الفلسفة، فكما أصبح وسيلة للتردي في الضلالة والإلحاد والسقوط في هاوية المستنقع الآسن للفلسفة الطبيعية، فإنه يسوق الإنسان إلى الغفلة والضلالة بالسفاهة واللهو. وحيث إنه يعارض بخوارقه التي هي كالسحر الحقائق المعجزة للقرآن الكريم، فإن رسائل النور تتصدى لهذا القسم الضال من الفلسفة في أغلب أجزائها وذلك بنصبها موازين دقيقة، ودساتير رصينة، وبعقدها موازنات ومقايسات معززة ببراهين دامغة. فتصفعها بصفعاتها الشديدة، في حين أنها لا تمس القسم السديد النافع من الفلسفة.22 هذا فصل الخطاب عند النورسي بالنسبة لما هو مقبول وما هو غير مقبول من القول الفلسفي، فلا مزايدة ولا غير ذلك، وزيادة على هذا فالإمام النورسي يريد الارتقاء على عبودية التعقل والتفلسف التي تنطلق من جدل الطبيعة وعلمها الموضوعي، لأنها عبودية عقلية ترتبط بالله بوصفه هو الخالق لجدل الطبيعة ومكوناتها، لتسأل هذه العبودية العقلية عن فعل الله تعالى في التكوين والخلق، أما النورسي فإنه أراد أن يرقى على ذلك ليبصر حكمة الله وإرادته في الزمان والمكان، فكان سؤاله هو (لماذا) فعل الله ذلك، وليس (كيف) فعل، فالكيفية معلومة بالتعقل، أما (لماذا) فإنها ترتبط بما لا يُعقل؛ فقد سأل الإمام النورسي الكائنات وتساءل معها: "من أين؟ وبأمر من تأتون؟ من سلطانكم ودليلكم وخطيبكم؟ ما تصنعون؟ وإلى أين تصيرون؟ فالصنعة المنتظمة تشهد على وجود الصانع وعلى قصده وإرادته شهادة صادقة قاطعة." 23 وتساءل الإمام النورسي أيضا عن سر زلزلة الأرض، ولماذا لا ينزل هذا العذاب الرباني والتأديب الإلهي ببلاد الكفر والإلحاد وينزل بهؤلاء المساكين المسلمين الضعفاء؟ ولماذا تعم هذه المصيبة البلاد كلها، علماً أنها مصيبة ناجمة من أخطاء يرتكبها بعض الناس؟24 في هذه المرتبة الإيمانية يحاول النورسي المترقي بسبل الله تعالى معرفة فعل الله عز وجل، فيتساءل لماذا زلزل ولماذا قتل ولماذا اختار، وإن كان يساوره نوع من القلق فيما يجري، كالقلق الذي خالجه هو نفسه وهو في السجن عقب الإفراج عن جميع أصدقائه وبقي وحيدا، أنا متأكد من أنه صادف هذه الآية: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)﴾.يونس:61-64 هنا تنطبق موجبات الولاية الربانية على النورسي فيخرج من السجن كما خرج يونس عليه السلام من بطن الحوت، وهو يناجي ربه ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾،الأنبياء:87 حيث إن السر العظيم لهذه المناجاة هو أن الأسباب قد سقطت كليا، ذلك أن الذي ينقذه من تلك الحالة ليس إلا من ينفذ حكمه في الحوت وفي البحر وفي الليل وفي جو السماء، وقد رأى الإمام كما رأى يونس بعين اليقين أنه لا ملجأ إلا إلى مسبب الأسباب.25 رابعا: القرآن الكريم وعين الله تعالى كيف رأى الإمام النورسي الوجود بعين الله تعالى؟ هنا يأتي القرآن ليتنزل على قلب الإمام النورسي علما لدنيا، كذاك الذي كان للخضر الذي قام بترشيد موسى عليه السلام: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾.الكهف:65 وهنا تتكشف عند النورسي خصائص تلك الكلمات التي حافظت على التوازن في بيانه التوحيد بجميع أقسامه مع جميع مراتب تلك الأقسام وجميع لوازمه، ولم يخل باتزان أي منها.. ثم إنه قد حافظ على الموازنة الموجودة بين الحقائق الإلهية السامية كلها.. وجمع الأحكام التي تقتضيها الأسماء الإلهية الحسنى مع الحفاظ على التناسب والتناسق بين تلك الأحكام.. ثم إنه قد جمع بموازنة كاملة شؤون الربوبية والألوهية. هذه "المحافظة والموازنة والجمع" خاصية لا توجد قطعا في أي أثر كان من آثار البشر، ولا في نتاج أفكار أعاظم المفكرين كافة، ولا توجد قط في آثار الأولياء الصالحين النافذين إلى عالم الملكوت، ولا في كتب الإشراقيين الموغلين في بواطن الأمور، ولا في معارف الروحانيين الماضين إلى عالم الغيب، بل كل قسم من أولئك قد تشبث بغصن أو غصنين فحسب من أغصان الشجرة العظمى للحقيقة، فانشغل كليا مع ثمرة ذلك الغصن وورقه، دون أن يلتفت إلى غيره من الأغصان، إما لجهله به أو لعدم التفاته إليه. وكأن هناك نوعا من تقسيم الأعمال فيما بينهم. نعم إن الحقيقة المطلقة لا تحيط بها أنظار محدودة مقيدة. إذ تلزم نظرا كليا كنظر القرآن الكريم ليحيط بها فكل ما سوى القرآن الكريم -ولو يتلقى الدرس منه- لا يرى تماما بعقله الجزئي المحدود إلا طرفا أو طرفين من الحقيقة الكاملة فينهمك بذلك الجانب ويعكف عليه، وينحصر فيه، فيخل بالموازنة التي بين الحقائق ويزيل تناسقها إما بالإفراط أو التفريط".26 فرسائل النور قد أخذت جزءا من هذه الخاصية المعجزة الجامعة الكلية، ونورد مثالا على ذلك ما فهمه الإمام من قوله تعالى: "رب العالمين"، وما استشفه من أقوال المفسرين حيث قال: إن في السموات ألوفا من العوالم، ويمكن أن يكون كل نجم في مجموعته عالما بذاته، وأن كل جنس من المخلوقات في الأرض أيضا عالم بذاته، حتى إن كل إنسان عالم صغير فكلمة "رب العالمين" تعنى: أن كل عالم يدار ويربى ويدبر شؤونه بربوبيته سبحانه وتعالى مباشرة".27 فعين الله تعالى على كل شيء خلقه، وعين الله تعالى لا تغيب أبدا، شُرح ذلك في القرآن الكريم ببسم الله، "إن هذه الكلمة الطيبة (بسم الله) كنز عظيم لا يفنى أبدا، إذ بها يرتبط "فقرك" برحمة واسعة مطلقة أوسع من الكائنات، ويتعلق "عجزك" بقدرة عظيمة مطلقة تمسك زمام الوجود من الذرات إلى المجرات، حتى إنه يصبح كل من عجزك وفقرك شفيعين مقبولين لدى القدير الرحيم ذي الجلال. إن الذي يتحرك ويسكن ويصبح ويمسي بهذه الكلمة (بسم الله) كمن انخرط في الجندية؛ يتصرف باسم الدولة ولا يخاف أحداً، حيث انه يتكلم باسم القانون وباسم الدولة، فينجز الأعمال ويثبت أمام كل شيء. "28 ستَحمل هذه الدعوة النورسية، وعيا روحيا حضاريا يرقى على كل المظاهر الروحية الحضارية الراهنة في علاقات الإنسان بالمواضيع الكونية. فما في العالم كله اليوم من منجزات حضارية، ليس سوى مقدمة لما سيأتي به الله على يد رسائل النور، التي تُولِّد إنسانا لا ينظر إلى الماضي، ولكن يتطلع إلى المستقبل بمقومات جديدة ورؤى جديدة، وضمن منهجية شاملة ينفتح فيها بكل قواه الإبداعية على حركة الحياة. وِلادة هذا الإنسان لا تأتي محكومة بمنهجيـة الصراع والأفق الضيِّق الذي يختزل الإنسان ما بين حدي الميلاد والموت، وإنما تأتي محكومة بمقاصـد الحـق والسلام، بمقاصد العدل والمساواة والحرية، بمقاصد التوحيد والتزكية والعمران، هذه المقاصد تجعل من ولادة هذا الإنسان ولادة متَّسعة الأبعاد، ولادة قوية كقوة الهم الإصلاحي للإمام بديع الزمان النورسي، فهو ليس مجرد تحدٍّ تركي إسلامي، وإنما هو بعث عالمي سيظهره الله على العالم كله، وتفجير لكافة الإمكانيات المتهيئة في عقول مصلحي هذه الأمة عبر تفاعلها مع الوحي والواقع. وفي ختام هذا البحث نوجز أهم النتائج العامة له 1- تبين لنا من خلال البحث مراهنة الإمام النورسي على تحرير المعنى القرآني لا من خلال الاستنطاق، ولكن من خلال الانفتاح بكل جملته الواعية ليترك النص يفصح عن نفسه. 2- إن علاقة الوحي بالعقل الإنساني من خلال رسائل النور ليست بناءً مشيدا من المعرفة المثبتة تبحث علوم الشريعة لتبريرها وتبرير مشروعيتها، وليست عصمة ولا تجديدا، بل علاقة توريث يتفاعل فيها وحي الكتاب مع المكلف؛ فإرث النبوة من خلال رسائل النور تكليف، وممارسة فعلية، ومحيط فكري ونفسي واجتماعي يجعل الأمة كلها في حالة مخاض عسير لإصلاح روحي عالمي بديل. 3- إن التعقل والتفلسف عند الإمام النورسي فعالية إنسانية خلاقة ومبدعة، إن اقترنت وترشّدت بإرث النبوة، فهذا الأخير لا يحارب التعقل والتفلسف، بل يصوبهما كي يكونا في مصلحة الإنسانية. *** الهوامش: 1 كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم الإسلامية جامعة باتنة-الجزائر-. 2 بديع الزمان النورسي: الكلمات، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، ط 3، 2001م، ص151. 3 بديع الزمان النورسي: اللمعات، ترجمة: مركز الترجمة والبحوث العلمية، دار السنابل الذهبية، القاهرة، ط1، 1431هـ-2010م، ص 140. 4 بديع الزمان النورسي: صيقل الإسلام، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، ط3، 2002م، ص 347. 5 أركون محمد: الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، تر: هاشم صالح، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1993م، ص 89.. 6 الابستيمولوجيا لفظ مركب من لفظين: أحدهما ابيستما (epistemé) وهو العلم، والآخر لوغوس (logos) وهو النظرية أو الدراسة، فمعنى الابستيمولوجيا إذن نظرية العلوم أو فلسفة العلوم، أي دراسة مبادئ العلوم وفرضياتها ونتائجها، دراسة إنتقادية توصل إلى إبراز أصلها المنطقي، وقيمتها الموضوعية، ينظر: جميل صليبا: المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، (د.ط)، 1982م، 1/33. 7 أركون محمد: القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2005، ص 35. 8 أركون محمد: الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ترجمة القاسم صالح، دار الساقي، بيروت، ط2، 2002م، ص 62. 9 الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، دار الطليعة، بيروت، ط1، 2001م، ص67. 10 طه عبد الرحمن: روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1: 2006، ص178. 11 بديع الزمان النورسي: صيقل الإسلام، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، ط 3، 2001م، ص 348. 12 بديع الزمان النورسي: المكتوبات، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، ط 3، 2001م، ص 422. 13 بديع الزمان النورسي: سيرة ذاتية 11، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، (ط7، 2013). 14 بديع الزمان النورسي: الكلمات، ص 466. 15 بديع الزمان النورسي: الشعاعات، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، ط2، 1414هـ، 1993م، ص 542. 16 بديع الزمان النورسي: الكلمات، ص 167. 17 بديع الزمان النورسي: الكلمات، 45. 18 بديع الزمان النورسي: المكتوبات، 363-364. 19 بديع الزمان النورسي: الكلمات، 37. 20 بديع الزمان النورسي: سيرة ذاتية، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، ص 24-25. 21 بديع الزمان النورسي: الكلمات، ص688. 22 بديع الزمان النورسي: الملاحق في فقه دعوة النور، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، شركة سوزلر للنشر، القاهرة، ط3، 1999م، ص286. 23 بديع الزمان النورسي: صيقل الإسلام، ص 29. 24 بديع الزمان النورسي: الكلمات، ص 229-230. 25 بديع الزمان النورسي: اللمعات، ص 02. 26 بديع الزمان النورسي: سيرة ذاتية، ص13. 27 المرجع نفسه، ص14. 28 بديع الزمان النورسي: الكلمات، ص2.

Keywords:

Citation Owners
Information: There is no ciation to this publication.
Similar Articles


AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization

Journal Type :   other

AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization