Kullanım Kılavuzu
Neden sadece 3 sonuç görüntüleyebiliyorum?
Sadece üye olan kurumların ağından bağlandığınız da tüm sonuçları görüntüleyebilirsiniz. Üye olmayan kurumlar için kurum yetkililerinin başvurması durumunda 1 aylık ücretsiz deneme sürümü açmaktayız.
Benim olmayan çok sonuç geliyor?
Birçok kaynakça da atıflar "Soyad, İ" olarak gösterildiği için özellikle Soyad ve isminin baş harfi aynı olan akademisyenlerin atıfları zaman zaman karışabilmektedir. Bu sorun tüm dünyadaki atıf dizinlerinin sıkça karşılaştığı bir sorundur.
Sadece ilgili makaleme yapılan atıfları nasıl görebilirim?
Makalenizin ismini arattıktan sonra detaylar kısmına bastığınız anda seçtiğiniz makaleye yapılan atıfları görebilirsiniz.
 ASOS INDEKS
 Görüntüleme 4
العدالة الإلهية وإشكالية الشر في فكر الأستاذ النورسي
2012
Dergi:  
AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization
Yazar:  
Özet:

العدالة الإلهية وإشكالية الشر في فكر الأستاذ النورسي ذ. إلياس بلكا1 بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وحده وأفضل الصلاة والتسليم على نبيه وآله. من المشكلات العويصة التي شغلت الفكر الإنساني، منذ بدايته إلى اليوم: قضية وجود الشر والظلم وأنواع الفساد في هذه الحياة الدنيا. كيف يكون ذلك، وكل ما في الكون يشير إلى عدالة الخالق وحكمته ورحمته؟2 إنها القضية التي يصفها الأستاذ سعيد النورسي رحمه الله بـ: "السؤال الرهيب"،3 والتي اعترف -في عدة مواضع من رسائله- بأنها أخذت قسطا كبيرا من تفكيره العقلي وانشغاله النفسي.4 فكيف رآها، وكيف أعمل فكره الفذ في حل إشكالاتها؟ المبحث الأول: "قيمة العدالة" في حياة الأستاذ النورسي وفكره للعدالة مكانة فائقة الأهمية في تصور الشيخ، إذ كان الاستبداد –بجميع أنواعه- من أسباب كسوف شمس الإسلام، ومن عوامل تأخر الأمة في مضمار المدنية، بل لعله أهم هذه العوامل.5 وتكشف رسالته المناظرات ومرافعة المحكمة العسكرية العرفية عن هذا الوعي الحاد بقيمة العدل والحرية في حياة الأفراد والمجتمعات..بل والكون أجمع، وبخطورة الظلم والاستعباد وأثرهما السيئ على الأمة.6 قال الأستاذ: "إن الاستبداد المتعسف لا صلة له بالشريعة الغراء، وإن الشريعة قد أتت لهداية العالم أجمع كي تزيل التحكم الظالم والاستبداد."7 لذلك فإن مفتاح سعادة المسلمين في حياتهم الاجتماعية إنما هو الشورى.8 بل إن كراهية النورسي الشديدة للظلم والظالمين كانت من أهم أسباب ابتعاده عن السياسة وشؤونها، قال: " إن أشد أنواع الظلم مع أشد أنواع الاستبداد قد أصبحا دستورا وقانونا من قوانين الصراع والنزاع المادي في هذا العصر، وهذا يعني أن كثيرا من الأبرياء يذهبون ضحية خطأ فرد واحد، أو يقع هذا الفرد مغلوبا على أمره."9 ويبدو أن الظلم الكثير الذي وقع على الشيخ -السجن والنفي والمنع من الكتابة ولقاء التلامذة...- أرهف حسه لقضية العدل في جميع أبعادها، أعني سواء كان الموضوع عدلا إلهيا أم عدلا إنسانيا. لقد كان النورسي يرحمه الله يشير مرارا إلى أن حياته كانت مليئة بالآلام وبأنواع الظلم.10 لا عجب إذن أن ينشغل هذا العقل الفذ العبقري بواحد من أكبر الإشكالات وأعقدها في تاريخ الفكر البشري، ألا وهو: إذا كان الله سبحانه عادلا فلِمَ يسمح بوقوع الظلم في الكون، وكيف نفسر هذه الشرور العظيمة الحادثة في الحياة الدنيا؟ قال الأستاذ: "لقد كنت أتألم لحال ذوي الحياة، ولاسيما لذوي الشعور منها، وبالأخص لحال الإنسان، وبخاصة المظلومين والمبتلين بالمصائب منهم، لما أحمل من عطف متزايد وشفقة مفرطة، فكانت أحوالهم تمس عطفي وتثير شفقتي وتوجع قلبي وتعصره. فكنت أقول من أعماق قلبي: إن القوانين المطردة السارية في العالم لا تسمع ما يعانيه هؤلاء البائسون الضعفاء العاجزون. وإن تلك العناصر والحوادث الصماء المستولية لا تسمع أنينهم، أليس من أحد يتدخل في شؤونهم الخاصة رحمة بهم ورأفة بأحوالهم التي يرثى لها؟ فكانت روحي تصرخ من الأعماق. وكذا أليس من مالك حقيقي ومولى كريم يرعى ويتولى أولئك العبيد الرائعين في الحسن وتلك الأموال القيمة الثمينة جدا، وهؤلاء الأحباب الأودّاء المشتاقين الممتنين كثيرا؟ نعم، كان قلبي يصرخ بهذا بكل ما أوتي من قوة."11 مفهوم العدل عند الأستاذ النورسي: لم يذكرالأستاذ تعريفا لمصطلح العدل، لكن يمكن أن نستنبط مما كتبه في رسائل النور أن مفهوم العدل عنده يرتكز على أساسين: أ- الأول، هو التوازن وإعطاء كل ذي حق حقه بميزان دقيق، إذ إن فعل الوزن والميزان هو تجل من تجليات اسم العدل والعادل من أسماء الله سبحانه.12 مثال ذلك الأشجار والثمار والأزهار، فكل منها يعبر عن ذلك الميزان الدقيق العادل الذي هو ضمن النظام البديع المحكم، وفي هذا الميزان الدقيق الذي يدل على العدل نقوش صنعة دقيقة بديعة وزينة فائقة...13 ب- الثاني، هو الحق. لذلك بينما تتأسس المدنية الحاضرة على القوة التي من شأنها التجاوز والاعتداء، فإن المدنية الإسلامية ترتكز على الحق الذي من شأنه العدالة والتوازن.14 وأصل ذلك أن الفلسفة تحبذ القوة وتتخذها أساسا وقاعدة مقررة لنهجها، حتى إن مبدأ "الحكم للغالب" دستور من دساتيرها، وتأخذ بمبدأ "المصائب الأليمة من زاوية الإيمان بالقدر الحق في القوة" فأعجبت ضمنا بالظلم والعدوان، وحثت الطغاة والظلمة حتى ساقتهم إلى دعوى الألوهية. أما النبوة فهي تقرر أن القوة في الحق وليس الحق في القوة، فتقطع بهذا دابر الظلم وتحقق العدل.15 المبحث الثاني: العدل من صفات الله تعالى: من أهم الصفات الإلهية التي خصها الأستاذ النورسي بالاهتمام، فَبَيَّنَها وشرح مقتضياتها: صفة العدل، فهي كثيرة الورود والتكرر في رسائل النور. 1- تجلي اسم العدل في الكون: فاضت صفة العدل على الموجودات التي عكست هذا العدل الإلهي الجميل: "إن العدالة العامة الجارية في الكون النابعة من التجلي الأعظم لاسم 'العدل‘ إنما تدير موازنة عموم الأشياء، وتأمر البشرية بإقامة العدل."16 قال الأستاذ: "إننا نرى أن وظائف المخلوقات تنسج على منوال الحكمة وتكال بميزان العدل، وهما من الدقة والحساسية لا يتصور الإنسان أفضل منهما..وترى العدالة المطلقة تضع كل عضو من الكائن الحي في موضعه اللائق به، وتنسقه بموازين دقيقة حساسة، ابتداء من ميكروب صغير إلى كركدن ضخم، ومن نحل ضعيف إلى نسر مهيب، ومن زهرة لطيفة إلى ربيع زاه بملايين من الأزهار. وتراها تمنح كل عضو تناسقا لا عبث فيه، وموازنة لا نقص فيها، وانتظاما لا ترى فيه إلا الإبداع، كل ذلك ضمن جمال زاهر وحسن باهر حتى تغدو المخلوقات نماذج مجسمة للإبداع والإتقان والجمال، فضلا عن أنها تهب لكل ذي حياة حق الحياة، فتيسر له سبل الحياة، وتنصب له موازين عدالة فائقة، فجزاء الحسنة حسنة مثلها، وجزاء السيئة سيئة مثلها..."17 2- جميع أفعاله سبحانه عدل: إن الله جل وعلا لا يظلم مثقال ذرة، وكل ما يصدر عنه هو عدل وحكمة. لهذا ذكر تعالى الميزان أربع مرات في قوله: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ. أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾.الرحمن:7-9 وهذا بيان لأهمية الميزان البالغة ولقيمته العظمى في الكون. لذلك فكما لا إسراف في شئ فلا ظلم كذلك ظلما حقيقيا في شئ، ولا بخس في الميزان قط.18 قال الأستاذ النورسي: "هل تريد برهانا على إنجاز الأعمال بالعدل والميزان؟ إن منح كل شئ وجودا بموازين حساسة، وبمقاييس خاصة، وإلباسه صورة معينة، ووضعه في موضع ملائم..يبين بوضوح أن الأمور تسير وفق عدالة وميزان مطلقين. وكذا إعطاء كل ذي حق حقه وفق استعداده ومواهبه، أي إعطاء كل ما يلزم، وما هو ضروري لوجوده، وتوفير جميع ما يحتاج إلى بقائه في أفضل وضع، يدل على أن يد عدالة مطلقة هي التي تسير الأمور. وكذا الاستجابة المستمرة والدائمة لما يسأل بلسان الاستعداد أو الحاجة الفطرية، أو بلسان الاضطرار، تظهر أن عدالة مطلقة وحكمة مطلقة هما اللتان تجريان عجلة الوجود."19 3- هيمنة العدالة الإلهية على الكون: وقد يتبادر إلى الذهن هذا السؤال: كيف تكون جميع أفعال الباري عدلا وحكمة ونحن نشاهد في الوجود جوانب من الظلم والفساد؟ وهنا لجأ الأستاذ –على عادته الجميلة في التمثيل- إلى ضرب هذا المثال: لنفترض أن هذا الكون قصر بديع يضم مدينة واسعة تتداولها عوامل التعمير والتخريب، وتغلي من شدة مظاهر الحرب والهجرة، ويسكنها جمهور عظيم يتأرجح بين الحياة والموت..في النهاية وعلى الرغم من كل مظاهر الاضطراب فإن ميزانا دقيقا ونظاما ساميا يسيطران على المدينة ويقودانها. كذلك فإن ما يحدث ضمن هذه الموجودات التي لا يحصرها العد من تحولات، وما يلج فيها وما يخرج منها لا يمكن أن يكون إلا بعملية وزن وكيل، وميزان من يرى أنحاء الوجود كلها في آن واحد، ومن تجري الموجودات جميعها أمام نظر مراقبته في كل حين..ذلكم الواحد الأحد سبحانه.20 فقد اقتضت حكمته السامية أن "الكل يوزن ويقدر بميزان خارق الحساسية، وأن الجميع يكتال بمكيال غاية في الدقة، بحيث يعجز عقل الإنسان أن يرى إسرافا حقيقيا في مكان وعبثا في جزء، بل يلمس علم الإنسان ويشاهد أكمل نظام وأتقنه في كل شئ فيحاول أن يريه، ويرى أروع توازن وأبدعه في كل موجود فيسعى لإبرازه. فما العلوم التي توصل إليها الإنسان إلا ترجمة لذلك النظام البديع وتعبير عن ذلك التوازن الرائع."21 ولولا هذه العدالة التي لا تكل لكان أي شئ -مهما كان ضئيلا وبسيطا- قادرا على الإخلال بهذا التوازن الكامل بين أجزاء الكائنات ولانهار العالم سريعا.22 4- دقة ميزان العدل الإلهي: يكثر الأستاذ رحمه الله من الإشارة لميزان العدالة الربانية، وقدم لذلك مثالا بديعا حقا: لو أتينا بميزان جيد ووضعنا في كل من كفتيه بيضة في تعادل تام، فإن جوزة واحدة قادرة على ترجيح إحدى كفتي الميزان. كذلك في ميزان الله تعالى، وهو ميزان عظيم حساس جدا، يمكن لأصغر جوزة أن ترفع إحدى الكفتين وتخفض الأخرى حتى لو كان هناك جبلان عظيمان هائلان في حالة موازنة كاملة.23 5- الصفات الأربعة: شرح الأستاذ أسماء الله الحسنى أبلغ شرح وأحسنه، وبيّن تجلياتها في الوجود. لكن أكثر عنايته انصرفت إلى الصفات الأربعة: العدالة والحكمة والرحمة والجمال... فهذا واضح من استقراء رسائل النور. قال في العدل والجمال: "أنظر إلى الكون أجمع، لقد ضم العدل الإلهي جميع موجوداته تحت جناح ميزانه ويديم موازنة الأجرام العلوية والسفلية، ويعطيها التناسب والتلاؤم الذي هو أهم أساس للجمال، ويجعل كل شئ في أفضل وضع وأجمله، ويعطي كل ذي حياة حق الحياة، فيحق الحق ويحد من تجاوز المعتدين ويعاقبهم... فشاهد الجمال الباهر جمال هذه العادلية الإلهية."24 وفي العدل والحكمة: الحكمة المطلقة والعدالة التامة هما منشأ جميع الانتظام والأنظمة والموازنة ومنبعها ومدارها ومصدرها.25 وأنت إذا نظرت إلى التجلي الأعظم لاسم "الحكم" تر أنه قد منح الموجودات كلها -من أصغرها إلى أكبرها- ما تستحقها من نظام مثمر وانسجام مفيد.26 ثم "انظر من خلف التجلي الأعظم لاسم 'الحكم‘ إلى التجلي الأعظم لاسم 'العدل‘... تره يدير جميع الكائنات بموجوداتها ضمن فعالية دائمة بموازينه الدقيقة ومقاييسه الحساسة ومكاييله العادلة بحيث يجعل العقول في حيرة وإعجاب، فلو فقد نجم من الأجرام السماوية توازنه لثانية واحدة، أي إذا انفلت من تجلي اسم 'العدل‘ لحل الهرج والمرج في النجوم كلها ولأدى -لا محالة- إلى حدوث القيامة."27 أما صفة الرحمة -وما تقتضيه من العناية بالموجودات- فقد كتب عنها في رسائله ما يقدر بمئات الصفحات. وكل الصفات الإلهية -خصوصا هذه الأربعة- هي تجليات لذات علية واحدة وأفعال في فعل واحد. يقول الأستاذ: "قد ثبت ببراهين دامغة في أغلب أجزاء رسائل النور أن فعل التنظيم والنظام الذي هو تجل من تجليات اسم الحكم والحكيم، وأن فعل الوزن والميزان الذي هو تجل من تجليات اسم العدل العادل، وأن فعل التزيين والإحسان الذي هو تجل من تجليات اسم الجميل والكريم، وأن فعل التربية والإنعام الذي هو تجل من تجليات اسم الرب الرحيم... كل فعل من هذه الأفعال هو فعل واحد، وحقيقة واحدة، تشاهد بوضوح في آفاق الكون كله، فكل منها يشير إلى وجوب وجود واحد أحد، ويبين وحدانيته بجلاء."28 المبحث الثالث: قواعد الاعتقاد في مسألة وجود الشر والظلم والفساد: كيف نفهم مشكلة الشر، وما هو المعتقد الصحيح الذي يطالبنا به الدين الحنيف؟ للجواب على ذلك يعلمنا الأستاذ النورسي هذه الحقائق الإيمانية: 1- الفعالية الإلهية: إن الحقيقة الأولى -كما قال الأستاذ- هي حقيقة الفعالية المستولية والمهيمنة على الكون، فهي التي تدير وتبدل وتجدد جميع المخلوقات، صغيرة كانت أم كبيرة... ونحن نشاهد فيما حولنا آثار هذه الفعالية الربانية الشاملة ونرى هيمنتها من وراء الستار. قال النورسي: "هكذا يتقرر بناء على هذه الحقيقة والقاعدة أن هذا الكون -بموجوداته كافة- قد كتب بقلم القدر وبني بمطرقة القدرة."29 2- الله خالق كل شئ: بما في ذلك الشر: وبناء على شمول الفعالية الإلهية للموجودات جميعا، فإننا نعتقد "أن كل شئ بخلقه سبحانه، إلا أن الشرور والقبائح والقصور والمساوئ إنما تترتب على لوازم ماهيات الممكنات وقابلياتها، فيجيب الخالق الجواد المطلق بالإيجاد، كل ما تسأله الممكنات بألسنة استعداداتها. فالحسن راجع إليه بالوجهين: أي بالخلق والاقتضاء. وأما القبح والقصور فبالخلق راجع إليه دون المقاضاة والسؤال."30 3 - خلق الشر غير كسبه: "إن خلق الشر ليس شرا، وإنما كسب الشر شر، لأن الخلق والإيجاد ينظر إليه من حيث النتائج العامة. فوجود شر واحد، إن كان مقدمة لنتائج خيرة كثيرة، فإن إيجاده يصبح خيرا باعتبار نتائجه، أي يدخل في حكم الخير... أما الكسب الذي هو مباشرة جزئية للأمر، فإنه يصبح شرا لأنه وسيلة تفضي إلى شر خاص معين، فيكون كسب الشر بذلك شرا، بينما لا يكون الإيجاد شرا، بل يكون خيرا، لأنه يرتبط بجميع النتائج المترتبة فلا يكون إذن خلق الشر شرا. وهكذا ولعدم إدراك المعتزلة هذا السر ضلوا، إذ قالوا: إن خلق الشر شر وإيجاد القبح قبح. فلم يردوا الشر إلى الله سبحانه وتعالى تقديسا وتنزيها له، وتأولوا الركن الإيماني: وبالقدر خيره وشره من الله تعالى."31 4- الخير من الله والشر من العبد: وإذا كان الله تعالى يخلق كل شئ، من خير أو شر، ثم الإنسان يكسبه..فإننا -من باب الأدب مع الباري سبحانه- نضيف الخير إليه بينما نضيف الشر إلى أنفسنا، وذلك مصداق قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّٰهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾.النساء:79 32 5- الوجود خير محض، والعدم شر خالص: قال الأستاذ في بيان هذه الحقيقة العميقة: "لقد اتفق العلماء المحققون وأهل الكشف على أنّ العدم شرّ محض، والوجود خير محض. نعم، إن الخير والمحاسن والكمالات -بأكثريتها المطلقة- تستند إلى الوجود وتعود إليه، فأساسها إيجابي ووجودي، أي ذو أصالة وفاعلية، وإن بدت ظاهرا سلبية وعدمية. وإن أساس وأصل الضلالة والشر والمصائب والمعاصي والبلايا وأمثالها من المكاره هو عدم وسلبي. وما فيها من القبح والسوء فناجمان من عدميتها، وإن بدت ظاهرا إيجابية ووجودا، لأن أساسها عدم ونفي، أي بلا أساس وبلا فعل إيجابي. ثم إن وجود البناء يتقرر بوجود جميع أجزائه كما هو ثابت بالمشاهدة، بينما عدمه ودماره يمكن أن يحصل بتهدم أحد أركانه وعدمه. أي أن الوجود يحتاج إلى علة موجودة، ولا بد أن يستند إلى سبب حقيقي، بينما العدم يمكن أن يستند إلى أمور عدمية ويكون الأمر العدمي علة لشئ معدوم. فبناء على هاتين القاعدتين: فإن شياطين الإنس والجن ليس لهم ولو بمقدار ذرة واحدة نصيب في الخلق والإيجاد وما تكون لهم أية حصة في الملك الإلهي، مع أن لهم آثارا مخيفة وأنواعا من الكفر والضلالة وأعمالا شريرة ودمارا هائلا، إذ لا يقومون بتلك الأمور بقدراتهم وقوتهم الذاتية، بل إن أغلب أعمالهم ليس فيها فعل وقدرة حقيقية، وإنما هي من نوع: ترك الفعل، وتعطيل العمل، وصد للخير، فيعملون الشر بالصرف عن الخير، فتحصل الشرور. لأن الشرور والمهالك هي من نوع الهدم والتخريب فلا يلزم أن تكون علتها إيجادا فاعلا، ولا قدرة موجدة، إذ يمكن التخريب الهائل بأمر عدمي، وبإفساد شرط. ولعدم وضوح هذا السر عند المجوس فقد اعتقدوا بوجود خالق للخير وأسموه يزدان، وخالق للشر وأسموه أهريمان، بينما لا يعدو هذا الإله الموهوم سوى الشيطان الذي يكون سببا للشرور ووسيلة لها، بالإرادة الجزئية وبالكسب، دون الإيجاد."33 6- الأصل هو الخير، والشر تبعي: "إن الخير هو الأصل في العالم، أما الشر فهو تبعي. فالخير كلي والشر جزئي. إذ: يشاهد أنه قد تكون -وما زال يتكون- علم خاص لكل نوع من أنواع العالم؛ والعلم عبارة عن قواعد كلية. فإذا كانت الكلية قاعدة، فهي إذن كشَّافة عن حسن الانتظام في ذلك النوع. أي أن كل علم من العلوم شاهد صادق على حسن الانتظام. نعم، الكلية دليل على الانتظام، لأن ما لا انتظام فيه لا كلية لحكمه، بل يكون هزيلا لكثرة استثناءاته. والذي يزكي هذا الشهود الاستقراء التام بنظر الحكمة. إلا أنه أحيانا لا يرى الانتظام، لسعة دائرته عن أفق النظر، فلا يمكن الإحاطة به ولا تصوره، وعندئذ يصعب أن يبين النظام نفسه. وبناء على ما سبق: فقد ثبت بشهادة العلوم جميعها، وبتصديق الاستقراء التام الناشئ من نظر الحكمة أن الحسن والخير والحق والكمال هو المقصود بالذات والغالب المطلق في خلق العالم. أما الشر والقبح والباطل، فهي أمور تبعية ومغلوبة ومغمورة، وحتى لو كانت لها الصولة فهي صولة مؤقتة."34 المبحث الرابع: حكم وجود الشر والظلم والمعاناة، وغلبتها أحيانا: هذان سؤالان كبيران شغلا أهل الدين والفكر على مر العصور: 1- السؤال الأول: لماذا يوجد الشر والظلم؟ وقد أجاب أستاذنا عن هذا الإشكال بأجوبة متنوعة، أهمها: أ- الآلام تجلي بعض أسماء الله الحسنى: ذلك أن الله سبحانه "لأجل إظهار أسمائه الحسنى المتنوعة يبتليك بأنواع من البلايا فيمرضك حينا ويمتعك بالصحة أحيانا أخرى، ويجيعك مرة ويشبعك تارة ويظمئك أخرى. وهكذا يقلبك في أمثال هذه الأطوار والأحوال لتتقوى ماهية الحياة وتظهر جلوات أسمائه الحسنى."35 فلأجل "إظهار نقوش أسمائه الحسنى يبدلك ضمن حالات متنوعة ويضعك في أوضاع مختلفة. فكما أنك تتعرف على اسمه "الرزاق" بتجرعك مرارة الجوع، تتعرف على اسمه "الشافي" بمرضك."36 ولما كانت الحياة تبين نقوش هذه الأسماء الحسنى فكل ما ينزل بالحياة إذن جميل وحسن.37 وبهذا تتعرف إلى ربك وخالقك. ب- الحركة ضرورة لتحقيق حكمة الابتلاء: إذ "لما كان العدم شرا محضا، فالحالات التي تنجر إلى العدم أو يشم منها العدم تتضمن الشر أيضا، لذا فالحياة التي هي أسطع نور للوجود تتقوى بتقلبها ضمن أحوال مختلفة، وتتصفى بدخولها أوضاعا متباينة... وبناء على هذه الحقيقة تعرض حالات على الأحياء في صور الآلام والمصائب والمشقات والبليات، فتتجدد بتلك الحالات أنوار الوجود في حياتهم وتتباعد عنها ظلمات العدم، وإذا بحياتهم تتطهر وتتصفى، ذلك لأن التوقف والسكون والسكوت والعطالة والدعة والرتابة، كل منها عدم في الكيفيات والأحوال. حتى إن أعظم لذة من اللذائذ تتناقص بل تزول في الحالات الرتيبة."38 ويزيد الأستاذ هذا الملحظ الفلسفي الدقيق بيانا، فيقول: "...إذ من المعلوم أن السكون والهدوء والرتابة والعطالة نوع من العدم والضرر، وبعكسه الحركة والتبدل وجود وخير.فالحياة تتكامل بالحركة وتترقى بالبلايا وتنال حركات مختلفة بتجليات الأسماء وتتصفى وتتقوى وتنمو وتتسع، حتى تكون قلما متحركا لكتابة مقدراتها، وتفي بوظائفها، وتستحق الأجر الأخروي."39 ج- تضاد الخير والشر، وتناقض الكمال والنقص: الخير والشر صورتان لا يمكن فهم إحداهما دون الأخرى، فوجود الشر هو الذي يبين لنا ما هو الخير ويقدمه لنا في أسطع صورة وأبهى منظر. ولولا النقص لم ندرك حقيقة الكمال. إسمع إلى الأستاذ رحمه الله، وهو يجلي بلسان الحكمة: "إتفق أهل الحق على القول: إنما الأشياء تعرف بأضدادها. فمثلا: لولا الظلمة لما عرف النور ولظل دون لذة، ولولا البرودة لما عرفت الحرارة ولبقيت دون استساغة، ولولا الجوع لما أعطى الأكل لذته وطعمه، ولولا حرارة المعدة لما وهبنا احتساء الماء ذوقا، ولولا العلة لكانت العافية بلا ذوق، ولولا المرض لباتت الصحة عديمة اللذة. إن الفاطر الحكيم لما أراد إشعار الإنسان وإحساسه مختلف إحسانه وإذاقته أنواع نعمه سوقا منه إلى الشكر الدائم، جهزه بأجهزة في غاية الكثرة لتقبل على تذوق تلك الآلاف المؤلفة من أنواع النعم المختلفة، لذا فلابد من أنه سينزل الأمراض والأسقام والعلل أيضا مثلما يلطف ويرزق بالصحة والعافية."40 د- حكمة خلق الشياطين: من الأسباب الظاهرية للحوادث، والتي خلقها الله تعالى ستائر تحجب قدره: الملائكة والجن. قال النورسي رحمة الله عليه: "ما يقوم به جميع الملائكة، وجميع الأسباب الظاهرة من واجبات ووظائف إنما (هي) ستائر لعزة الربوبية، لتبقى عزة القدرة الإلهية وقدسيتها ورحمة الله المحيطة الشاملة مصونة في الأمور والأشياء التي لا ترى فيها أوجه الجمال، ولا تعلم فيها حقائق الحكمة، من دون أن تكون هدفا للاعتراضات الباطلة. ولا يشاهد عندئذ بالنظر الظاهري مباشرة يد القدرة في الأمور الجزئية والمنافية للرحمة والأشياء التافهة... فكما أن الملائكة والأسباب الظاهرية المستخدمة في أمور الخير والوجود، هي وسائل للتقديس الرباني وتسبيحه، فيما لا يرى ولا يعلم جماله من الأشياء، وذلك بتنزيه القدرة الربانية وصيانتها عن التقصير والظلم، كذلك فإن استخدام شياطين الجن والإنس والعناصر المضرة في أمور الشر والعدم، هو الآخر نوع من الخدمة للتسبيحات الربانية ووسيلة للتقديس والتنزيه والتبرئة من كل ما يظن نقصا وتقصيرا في الكائنات وذلك لصيانة القدرة السبحانية، كيلا تكون هدفا لإلصاق الظلم بها وتوجيه الاعتراضات الباطلة إليها، ذلك لأن جميع التقصيرات تأتي من العدم، ومن العجز، ومن الهدم، ومن إهمال الواجبات –الذي كل منه عدم– ومما ليس له وجود من الأفعال العدمية. فهذه الستائر الشيطانية والشريرة قد أضحت وسائل لتقديس الحق سبحانه وتعالى لما حملت على عاتقها –باستحقاق– تلك الاعتراضات والشكاوى لكونها مرجعا لتلك التقصيرات ومصدرا لها."41 فإن قلت: كيف ذلك، والشياطين هم الشر المحض تسلطوا على بني آدم وأوردوا كثيرا منهم موارد الهلاك؟ جاءك الجواب: "إنه إزاء الشرور الجزئية للشياطين، تكمن في وجودهم كثير من المقاصد الخيرة الكلية وكمالات، ترقى بالإنسان في سلم الكمال. نعم، كما أن هناك مراتب كثيرة بدءا من البذرة إلى الشجرة الباسقة، كذلك للاستعدادات الفطرية الكامنة في ماهية الإنسان من المراتب والدرجات ما تفوق ذلك، بل قد تصل إلى المراتب الموجودة بين الذرة والشمس. ولكي تظهر هذه الاستعدادات وتنبسط لابد لها من حركة، ولابد لها من تفاعل وتعامل. فحركة لولب الرقي ونابض السمو في ذلك التعامل هي بـ 'المجاهدة‘. ولا تحصل هذه 'المجاهدة‘ إلا بوجود الشياطين والأشياء المضرة، إذ لولا تلك 'المجاهدة‘ لظلت مرتبة الإنسان ثابتة كالملائكة، وعندها ما كانت لتظهر تلك الأصناف السامية من الناس التي هي بحكم الآلاف من الأنواع في النوع الإنساني. وحيث إنه ليس من الحكمة والعدالة بشئ أن يترك الخير الكثير جدا تجنبا لحصول شر جزئي، فإن انزلاق كثير من الناس بخطوات الشيطان، لا يحمل أهمية كبيرة مادام التقويم والأهمية يأخذ 'النوعية‘ بنظر الاعتبار ولا ينظر إلى الكمية إلا قليلا، بل قد لا ينظر إليها. مثال ذلك: شخص لديه ألف وعشر من البذور، زرعها في التراب، فجعلها تتعرض للتفاعلات الكيماوية. فإذا أنبتت عشر من تلك البذور وأينعت، فإن المنافع الحاصلة منها تفوق -بلا شك- خسارة الألف بذرة التي تعرضت للتلف والفساد. وهكذا، فإن المنافع والمنزلة والأهمية التي حازتها البشرية من عشرة أشخاص كاملين يتلألأون كالنجوم في سمائها، والذين أخذوا بيد الإنسانية إلى مراقي الفلاح، وأضاءوا السبل أمامهم وأخرجوهم إلى النور بمجاهدتهم للنفس والشيطان... لاشك أنها تزيل ما يلحق بها من أثر الضرر الناجم من كثرة الداخلين في حمأة الكفر من الضالين الذين يعدون من جنس الحشرات لتفاهتهم ودناءتهم. لهذا فقد رضيت العدالة الإلهية وحكمتها وسمحت الرحمة الربانية بوجود الشياطين وتسلطها."42 هـ- خلق الشر جزء من العدل وكمال الحكمة: إن خلق شرور جزئية هو عين العدل وكمال الحكمة، إذ –كما قال الأستاذ رحمه الله–: "إن خلق الشر ليس شرا، بل كسب الشر شر، لأن الخلق والإيجاد يتطلع إلى جميع النتائج ويتعلق بها، بينما الكسب يتعلق بنتائج خصوصية، لأنه مباشرة خاصة. فمثلا: إن النتائج المترتبة على نزول المطر تبلغ الألوف، وجميعها نتائج حسنة وجميلة، فإذا ما تضرر أحدهم من المطر بسوء تصرفه وعمله، فليس له الحق أن يقول: إن إيجاد المطر لا رحمة فيه. وليس له أن يحكم بأن خلق المطر شر، بل صار شرا في حقه بسوء اختياره وسوء تصرفه وبكسبه هو بالذات. وكذا خلق النار، فيه فوائد كثيرة جدا، وجميعها خير، ولكن لو تأذى أحدهم من النار بسوء كسبه وباستعماله السيئ لها، فليس له أن يقول: إن خلق النار شر، إذ النار لم تخلق لإحراقه فقط، بل هو الذي أدخل يده في النار التي تطبخ له طعامه، فجعل بسوء عمله تلك الخادمة المطيعة عدوة له."43 فالحاصل أن ترك الخيرات الكثيرة -التي تتحقق بحياة الموجودات- لمنع ضرر جزئي وشر قليل هو -في الواقع- ضرر كلي، وشر كثير، وهذا ينافي حكمة عدالة العدل الحكم.44 ذلك أن مؤداه أن مئات الخيرات تفوت فلا تحصل في حين تقترف مئات الشرور والمظالم للحيلولة دون وقوع شر واحد.45 ويضرب النورسي لهذا مثالا من الجهاد، ففيه خير كثير بنجاة الإسلام من سيطرة الكافرين، فلو ترك الجهاد خشية حدوث أضرار محدودة لحصل شر عظيم، وهذا -كما يقول النورسي- هو عين الظلم.46 و- وجود الشر والآلام فتح لباب العبودية: يعد وجود الشر -بأنواعه- والآلام فتحا لباب العبودية على مصراعيه أمام الناس، لأنهم يدعون ربهم ويستغيثون به، فيسمعهم ويمدهم بإحسانه. ومن المعروف أن أكثر الناس ينسون ربهم في السراء ويذكرونه في الضراء.47 2- السؤال الثاني: أسرار الغلبة الظاهرية للظلمة وأهل الشر: لكن الكلام عن حكمة وجود الشر هو غير الكلام عن حكمة "غلبة" الشر. أعني أننا إذا فهمنا بعض أسرار وجود القبح والظلم في الدنيا، فإن السؤال التالي هو: لماذا "يغلب" -كثيرا- أهل الكفر والضلال أصحاب الحق والإيمان، ولم يتفوق حزب الشيطان على حزب الصالحين في كثير من الأحوال؟ وكيف يصح مع هذا أن نقول: الحق يعلو ولا يعلى عليه؟ وقد ورد هذا الاستفهام على الأستاذ النورسي مرارا، وأجاب عنه في مواضع كثيرة تفرقت في كتبه. ويحكي رحمه الله أنه فكر هو أيضا في هذا الإشكال، قال: "لقد شاهدت مرارا بنفسي أن عشرة في المائة من أهل الفساد يغلبون تسعين في المائة من أهل الصلاح. فكنت أحار في هذا الأمر، ثم بإمعان النظر فيه فهمت يقينا أن ذلك التغلب والسيطرة لم يكن ناتجا من قوة ذاتية ولا من قدرة أصيلة."48 فكان جواب الأستاذ: "إن الضلالة والشر بأكثريتها المطلقة شئ عدمي وسلبي وغير أصيل، وهي إخلال وتخريب. أما الهداية والخير فهي بأكثريتها المطلقة ذات وجود وشئ إيجابي وأصيل، وهي إعمار وبناء. ومن المعلوم أنه يتمكن رجل واحد في يوم واحد أن يهدم ما بناه عشرون رجلا في عشرين يوما."49 لذلك يوجد فرق عظيم بين الحفاظ على قصر فخم ضخم وبين تدميره، فإن وجود الشيء يتوقف على وجود جميع أجزائه، بينما عدمه يحصل بانعدام جزء منه، لذا يكون التخريب أسهل.50 قال الأستاذ: "نعم، يتولى أحيانا مائة من الأشخاص المحافظة على قصر، عندما يحاول أحد الشريرين أو أي شخص مخرب إلقاء النار فيه خفية لتدميره... ذلك لأن بقاء القصر يتوقف على جميع الشروط والأركان والأسباب الداعية إلى البقاء. أما تخريبه وهدمه فيكون بانعدام شرط واحد فقط. فعلى غرار هذا المثال نفهم كيف أن شياطين الجن والإنس يقومون بتخريب مدهش وبحريق معنوي عظيم بفعل قليل جدا، بمثل ما يقوم شرير بتدمير بناء فخم بإلقاء عود كبريت فيه... واستنادا إلى هذه النقطة فإن شياطين الجن والإنس والشريرين يتمكنون بقوة هزيلة جدا، أن يصدوا قوة لا حد لها لأهل الحق والحقيقة ويلجئوهم إلى باب الله عز وجل والسعي إليه دائما."51 وهذا سر التكرار القرآني للترغيب والترهيب وتحذيره الدائم للمؤمنين وتنبيههم المستمر على سلوك طريق الاستقامة، ذلك أن "طريق الفساد والهوى سهلة جدا، لأنها تخريب وهدم، لذا يسوق شيطان الإنس والجن الإنسانَ إليها بكل سهولة ويسر... لذا كان لابد لأولئك الذين يسلكون طريق الحق والهداية أن يجنبوا وينبهوا، ويأخذوا حذرهم ويمد لهم يد العون دائما لكثرة حاجتهم إليها. لهذا يقدم الله سبحانه وتعالى في ذلك التكرار عونا وتأييدا لهم بعدد ألف اسم من أسمائه الحسنى، ويمدهم بآلاف من أيادي الرحمة والشفقة لإسنادهم وإمدادهم..."52 ثم ينبهنا الأستاذ النورسي على أمرين مهمين ودقيقين: الأول: لا يلزم أن تكون كل وسيلة من وسائل كل حق حقا، كما لا يلزم أيضا أن تكون كل وسيلة من وسائل كل باطل باطلا. والنتيجة أن الوسيلة الحقة -ولو كانت في باطل- تغلب الوسيلة الباطلة، ولو كانت في الحق. وهذا مقتضى العدل الإلهي الذي يزن كل شيء بميزانه الدقيق ويعطي كل ذي حق حقه. ولذلك قد يتغلب الكافر -بصفة مشروعة يتصف بها- على المسلم الذي يتلبس بصفة غير مشروعة.53 ثم إن حق الحياة في الدنيا شامل وعام للجميع. والكفر ليس مانعا لحق الحياة الذي هو تجل للرحمة العامة والذي ينطوي على سر الحكمة في الخلق.54 الثاني: إن لله سبحانه إرادتين: واحدة تكوينية، والأخرى شرعية. والمسلم مأمور بطاعة الإرادتين معا، غير أنه في الغالب ما يجازى -بالثواب أو العقاب- مطيع الإرادة التكوينية في الدنيا، ومطيع الإرادة الشرعية في الآخرة. وطاعة الأمر التكويني -الذي هو حق- تغلب عصيان هذا الأمر، لأن مخالفة أي أمر تكويني تندرج في الباطل. فإذا ما أصبح حق وسيلة لباطل فسينتصر على باطل أصبح وسيلة لحق، وتظهر النتيجة كأن الحق مغلوب أمام الباطل، وهو في الحقيقة ليس مغلوبا بذاته، وإنما بوسيلته.55 وهذا سر مراعاة النبي الأكرم لقوانين عادة الله وسننه الجارية ونواميسه المؤسسة على العدل والحكمة.56 فتبارك الله وتبارك عدله وميزانه. على أن هذه الصورة -تدافع الحق والباطل- لا يمكن أن تكتمل دون أن نضع في حسباننا قدوم عالم الآخرة: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.57 المبحث الخامس: كمال العدالة بعالم الآخرة. وما أشد إلحاح الأستاذ على هذه العقيدة الإيمانية الكبرى: وجود العالم الآخر. فالأدلة على الحشر والآخرة كثيرة جدا، بل كل اسم من أسماء الله الحسنى يدل على ذلك بوجوه من الأدلة لا تتضمنها سائر الأسماء.58 وقد تفنن النورسي في هذا البيان، فذكر من حجج البعث واليوم الآخر ما لا يحصى، خاصة في "رسالة الحشر"، وفي غيرها من رسائل النور.59 لكنني سأقتصر -بحكم طبيعة الموضوع الذي اخترته- على إيضاح دلالة صفة العدل الإلهي -دون غيرها- على الآخرة. وهي دلالة بسيطة وواضحة وعميقة في آن: لا يمكن لأهل الشر والظلم الواقعين في هذا العالم البديع المتقن ألا يعاقبوا، كما لا يمكن لأهل الخير والعدل ألا يثابوا. وما دام هذا الثواب والعقاب غير متحققين -على وجه مرض- في هذه الحياة، فلابد أن يتحقق ذلك في حياة أخرى. 1- الآخرة ضرورة أخلاقية: قال الأستاذ في هذا المعنى: "أمن الممكن لخالق ذي جلال أظهر سلطان ربوبيته بتدبير قانون الوجود ابتداء من الذرات وانتهاء بالمجرات، بغاية الحكمة والنظام وبمنتهى العدالة والميزان... أن لا يعامل بالإحسان من احتموا بتلك الربوبية وانقادوا لتلك الحكمة والعدالة، وأن لا يجازي أولئك الذين عصوا بكفرهم وطغيانهم تلك الحكمة والعدالة؟ بينما الإنسان لا يلقى ما يستحقه من الثواب أو العقاب في هذه الحياة الفانية على وجه يليق بتلك الحكمة وتلك العدالة إلا نادرا، بل يؤخر، إذ يرحل أغلب أهل الضلالة دون أن يلقوا عقابهم، ويذهب أكثر أهل الهداية دون أن ينالوا ثوابهم. فلابد أن تناط القضية بمحكمة عادلة، وبلقاء آيل إلى سعادة عظمى."60 ويواصل شرح مقتضى العدالة الإلهية: إن القياس العدلي الذي تشير إليه الآية الكريمة ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾فصلت:46 خلاصته: "إننا نرى كثيرا في عالمنا: أن الظالمين والفجار يقضون حياتهم في رفاه وراحة تامة، أما المظلومون والمتدينون فيقضونها في شظف من العيش بكل مشقة وإرهاق. ومن ثم يأتي الموت فيحصد الاثنين معا دون تمييز، فلو لم تكن هناك نهاية مقصودة ومعينة لظهر الظلم إذن في المسألة؛ لذا فلابد من الاجتماع الأخروي بينهما حتى ينال الأول عقابه وينال الثاني ثوابه؛ إذ المنزه عن الظلم سبحانه وتعالى وهو العادل الحكيم -بشهادة الكائنات قاطبة- لا يمكن بحال من الأحوال أن تقبل عدالته وحكمته هذا الظلم ولا يمكن أن ترضيا به، فالنهاية المقصودة إذن حتمية".61 "وما دام الرب سبحانه... يحب الإنسان، ويحبب نفسه إليه، وهو باق، وله عوالم باقية، ويجري الأمور وفق عدالته، ويعمل كل شيء وفق حكمته، وأن عظمة سلطان هذا الخالق الأزلي وسرمدية حاكميته لا تحصرهما هذه الدنيا القصيرة، ولا يكفيهما عمر الإنسان القصير جدا، ولا عمر هذه الأرض المؤقتة الفانية. حيث يظل الإنسان دون جزاء في هذه الدنيا لما يرتكبه من وقائع الظلم، وما يقترفه من إنكار وكفر وعصيان، تجاه مولاه الذي أنعم عليه ورباه برأفة كاملة وشفقة تامة، مما ينافي نظام الكون المنسق، ويخالف العدالة والموازنة الكاملة التي فيها، ويخالف جماله وحسنه، إذ يقضي الظالم القاسي حياته براحة، بينما المظلوم البائس يقضيها بشظف من العيش. فلا شك أن ماهية تلك العدالة المطلقة -التي يشاهد آثارها في الكائنات- لا تقبل أبدا، ولا ترضى مطلقا، عدم بعث الظالمين العتاة مع المظلومين البائسين الذين يتساوون معا أمام الموت. فلابد ولا ريب مطلقا أن القيامة ستقوم، وأن الحشر والنشور سيحدث، وأن أبواب دار الثواب والعقاب ستفتح... لكي تتقرر عدالة رب الأرض والإنسان وحكمته ورحمته وسلطانه. ولكي ينجو الأولياء والأحباء الحقيقيون والمشتاقون على الرب الباقي من الفناء والإعدام الأبدي. ولكي يرى أعظمهم وأحبهم وأعزهم ثواب عمله، (يعني نبينا عليه السلام) ونتائج خدماته الجليلة التي جعلت الكائنات في امتنان ورضى دائمين. ولكي يتقدس كمال السلطان السرمدي من النقص والتقصير، وتتنزه قدرته من العجز، وتبرأ حكمته من السفاهة، وتتعالى عدالته عن الظلم."62 لهذا لا يمكننا الحكم على معركة الحق والباطل بحالها في الحياة الدنيا فقط، بل لابد من اعتبار نهاية المعركة ونتيجتها في الحياة الأخرى: "نعم، إن تغلب الشر طوال ألوف السنين لا يؤدي إلا إلى مغلوبية مطلقة لألف سنة في الأقل، محصورة في الدنيا. أما في الآخرة فسيحكم الخير على الشر بالإعدام الأبدي."63 2- الدنيا دار عمل لا جزاء: وإنما يكون العدل الكامل في العالم الآخر، لأن: "الدنيا هي دار العمل ودار الحكمة، وليست دارا للمكافأة والجزاء. فجزاء الأعمال والبر الذي يحصل هنا يكون في الحياة البرزخية والدار الآخرة، فتؤتي هناك أكلها وثمراتها. فما دامت الحقيقة هكذا يجب عدم المطالبة بثمرات الأعمال الأخروية وجزائها في هذه الدنيا".64 3- تجلي العدالة الإلهية في الدنيا: إن حقيقة المحكمة الأخروية التي تقيم العدل الشامل لا تنفي أن الله جل جلاله قد يثيب المحسن ويعاقب المخطئ في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة. ولذلك ما أكثر ما أنزلت العدالة الربانية عذابها المدمر على الطغاة والظالمين والأمم الضالة.65 ويسمي شيخنا هذه العدالة بـ "العدالة السلبية"، ويعرفها بأنها تأديب غير المحقين بإحقاق الحق وإنزال الجزاء والعذاب عليهم. وهي في مقابل العدالة الإيجابية التي تعني إعطاء كل ذي حق حقه، فهي عدالة محيطة وشاملة لكل ما في هذه الدنيا.66 4- لا غنى للأفراد والجماعات عن الإيمان بالآخرة لإقامة العدل: "إن المرضى والمظلومين وأمثالنا من ذوي المصائب والفقراء والمساجين الذين حوكموا بعقوبات مشددة، كل هؤلاء يمثلون الجزء الأهم من البشرية. فإن لم يعنهم "الإيمان بالآخرة" وإن لم يتسلوا به فإن الموت الذي يجدونه أمامهم دائما بما عندهم من مرض، وإن الإهانة التي يرونها من الظلمة -دون أن يتمكنوا من الاقتصاص منهم ولا من إنقاذ شرفهم وكرامتهم من بين مخالبهم- وإن اليأس الأليم النابع مما أصاب أموالهم وأولادهم من الضياع في الكوارث، وأن الضيق الشديد الناشئ من آلام السجن وعذابه لسنوات عدة نتيجة لذة طارئة لا تستغرق دقائق أو ساعات... كل ذلك يصير الدنيا -بلا ريب- سجنا كبيرا لهؤلاء المنكوبين ويجعل الحياة نفسها عذابا أليما لهم! ولكن ما إن يمدهم الإيمان بالآخرة بالعزاء والسلوان إلا وينشرحون فورا، ويتنفسون الصعداء، لما يزيل عنهم من الضيق واليأس والقلق والاضطراب وسورة الثأر إزالة كلية أو جزئية كل حسب درجات إيمانه."67 إن الأمة التي لا تؤمن بالآخرة ينتشر في صفوفها الظلم والرذائل، ويرتفع في سمائها صوت القوة لا الحق، والتعدي لا المحبة...68 وأخيرا ينادي الأستاذ الكريم: "أقسم باسم الرحمن الرحيم العادل الحكيم: إن البشرية لن تستطيع أن تهضم بسهولة وسلامة الشر والقبح والباطل، ولن تسمح لها الحكمة الإلهية، لأن من يتعدى على حقوق الكائنات العامة لا يعفى عنه، ولا يسمح بعدم إنزال العقاب عليه".69 المبحث السادس: جمال الرضا بعدالة القدر والقضاء. وفي انتظار الآخرة على المؤمن أن يسعى لها سعيها ويعد لها عدتها، ويقابل ما يبتليه به القضاء الإلهي بالصبر الجميل والاعتقاد الحسن... وكذلك تفعل الأمة في مجموعها. 1- القدر عدل ورحمة: إن ما يقدره الله جل جلاله على الكائنات، ومنها الإنسان، كله عدل وحكمة، لا ظلم فيه ولا حيف، ولا عبث ولا لعب. يحكي الشيخ كيف شعر ذات يوم بحزن شديد لما تقاسيه البشرية من آلام وكيف أنها دخلت شتاءها المعنوي المليء بالدماء، ولعل ذلك كان في فترة الحرب الثانية، فورد إلى قلبه هذا المعنى: إن تألمك هذا يجري مجرى الانتقاد للحكمة الربانية، فكر أن العصاة ينالون جزاءهم، والأبرياء والمظلومون سينالون ثوابهم بأضعاف ما قاسوا.70 قال أستاذنا الحكيم: "كما أن القدر الإلهي منزه عن القبح والظلم، من حيث النتيجة والثمرات، كذلك فهو مقدس عن القبح والظلم من حيث العلة والسبب، لأن القدر ينظر إلى العلل الحقيقية، فيعدل. بينما الناس يبنون أحكامهم على ما يشاهدونه من علل ظاهرة فيرتكبون ظلما ضمن عدالة القدر نفسه. فمثلا: هب أن حاكما قد حكم عليك بالسجن بتهمة السرقة، وأنت برئ منها، ولكن لك قضية قتل مستورة لا يعرفها إلا الله. فالقدر الإلهي قد حكم عليك بذلك السجن، وقد عدل من أجل ذلك القتل المستور عن الناس. أما الحاكم فقد ظلمك، حيث حكم عليك بالسجن بتهمة السرقة وأنت منها بريء."71 وقد تساءل الأستاذ عن وجه الرحمة والعدالة في مصيبة الجوع، حيث إنه يفهم من الحديث النبوي أن هذه الفتنة ستؤدي دورا مهما في آخر الزمان، فقال: " لما كان لأهل الإيمان وللأبرياء من حيث القدر الإلهي وجه رحمة ووجه عدالة في كل شيء، حتى في عذاب القحط. ترى بأي طرز تكون هذه الرحمة والعدالة في هذا الأمر؟... الجواب: إن أهم سبب لهذه المصيبة هو العصيان النابع من كفران النعمة وعدم الشكر وعدم تقدير النعمة الإلهية حق قدرها. لذا فإن العادل الحكيم لأجل إراءة اللذة الحقيقية لنعمه ولا سيما الأغذية منها... ولبيان أهميته (أي الغذاء) العظيمة ودرجته الفائقة من حيث النعمة، فإنه سبحانه يسوق الناس إلى الشكر الحقيقي -وفقا لحكمته تعالى- فتنزل هذه المصيبة بالذين لا يشكرون ربهم ولا يراعون الرياضة الدينية في شهر رمضان."72 2- الأسباب الظاهرة ستار للقدر: نستهل الفقرة بالتساؤل الآتي: كيف يكون الشيء الواحد عدلا من جهة القدر الإلهي، وظلما من جهة الفعل البشري. كيف يكون في الظاهر عذابا، وفي الباطن رحمة. إن للحوادث -كما قال الأستاذ سعيد- وجهان، والذي يبدو لنا هو الظاهر لا الباطن، الجلي لا الخفي. إذ في كل حادثة سببين: الأول: سبب ظاهري، ووفقه يحكم الناس، وكثيرا ما يظلمون. الثاني: سبب حقيقي، يأتي القدر على وفقه، فيعدل في الحادثة نفسها التي يظلم فيها البشر.73 ويضرب لذلك مثالا من سجنه هو وبعض طلبته، فهو في الظاهر ظلم واعتداء، حيث إن الحكومة سلبتهم حريتهم دون حق. ولكنه في الباطن عدل ورحمة، إذ بفتنة السجن يقع فرز الصالحين عن غيرهم، وتمييز المخلصين عن الأنانيين، وتوفرت للأستاذ فرص التفرغ للتعبد والتفكر وكتابة الرسائل.74 "فهذا القدر الإلهي هو رحمة إلهية بحقنا في عين العدالة نفسها. إذ جمع في مجلس واحد إخوة مشتاق بعضهم إلى بعض وبدل المصاعب إلى عبادات، وحول الأموال الضائعة إلى صدقات، واستقطب الأنظار إلى الرسائل المستنسخة..."75 3- الرضا بالقدر، لا التعلل به: يدعونا الأستاذ رحمه الله إلى الرضا والتسليم بما قدره الله علينا: "إنني أخال أنه في خضم هذه الأهوال والحرائق التي نشبت في الكرة الأرضية لا يقدر على الحفاظ على سلامة قلبه وراحة روحه إلا أهل الإيمان وأهل التوكل والرضى الحقيقي، ومنهم أولئك الذين انضموا إلى دائرة رسائل النور بوفاء تام. فهم مصانون من تلك الأهوال أكثر من غيرهم. وذلك لأنهم يرون أثر الرحمة الإلهية وزبدتها ووجهها في كل حادثة وفي كل شيء..فهم يشاهدون في كل شيء كمال الحكمة الإلهية، وجمال عدالتها، لذا يجابهون المصائب -التي هي من إجراءات الربوبية الإلهية بالبشر- بالتسليم التام لأمر الله فيبدون الرضى به، ولا يقدمون شفقتهم على الرحمة الإلهية كي يقاسوا العذاب والألم".76 إننا نتقبل القدر وما قضى، لكننا لا نتحجج به على أخطائنا وتفريطنا، خصوصا فيما يستقبل من الأيام.77 فللقدر -إذن- دور نفسي مهم، لأنه يحرر الإنسان من أثقال الدنيا وهمومها، ولولاه ما سعد أحد في هذه الحياة، يقول النورسي: "كنت كلما نظرت إلى المصائب الأليمة من زاوية الإيمان بالقدر، كانت تلك المصائب تخف ويقل وطؤها علي، فكنت أسأل بحيرة: ياترى كيف يستطع العيش من لا يؤمن بالقدر؟"78 لكن الإيمان بالقدر لا ينفي المسؤولية البشرية، وهو ما نسميه بـ: الجزء الاختياري.79 المبحث السابع: مصائب الدنيا في ضوء العدالة الربانية. استخرج الأستاذ دروسا وحكما مما يصيب الأمم والأفراد من بلايا ورزايا ومصائب، فمن ذلك: 1- الآلام: درس وإنذار. إن ما ينزله الله تعالى بالإنسانية من عذاب وبلاء، مسلميها وكفارها، هو تنبيه وإنذار إلهيين، لعلّ الناس يرجعون إلى ربهم. قال الأستاذ العزيز: "تجلت ربوبية خالق الأرض والسموات... في العالم أجمع... فصفع رب العالمين البشرية ببلايا وآفات عامة مرعبة كالحرب العالمية والزلازل والسيول العارمة والرياح الهوج والصواعق المحرقة والطوفانات المدمرة. كل ذلك إيقاظا لهذا الإنسان السادر في غفلته، وسوقا له ليتخلى عن غروره وطغيانه الرهيب. ولتعريفه بربه الجليل الذي يعرض عنه."80 أما تفاصيل الابتلاءات والمصائب فهي مجرد أسباب ظاهرية، وهي حجب وستائر للقدرة الإلهية.81 2- لماذا اختص المسلمون بقدر زائد من العناء والبلاء؟ سئل الأستاذ بديع الزمان مرارا هذا السؤال، بمناسبة وبدون مناسبة، ومن أجوبته: "يقول المثل الحكيم: 'الظلم لا يدوم والكفر يدوم‘، فأخطاء العاملين في صفوف خدمة القرآن هي من قبيل الظلم تجاه الخدمة، لذا يتعرضون بسرعة للعقاب ويجازون بالتأديب الرباني... أما العدو فإن صدوده عن القرآن وعداءه إنما هو لأجل الضلالة... وحيث إن الكفر يدوم، فلا يتلقى معظمهم الصفعات بذات السرعة، إذ كما يعاقب من يرتكب أخطاء طفيفة في القضاء أو الناحية، بينما يساق مرتكبو الجرائم الكبيرة إلى محاكم الجزاء الكبرى، كذلك الأخطاء الصغيرة والهفوات التي يرتكبها أهل الإيمان... يتلقون على إثرها جزاءا من العقاب بسرعة في الدنيا ليكفر عن سيئاتهم ويتطهروا منها. أما جرائم أهل الضلالة فهي كبيرة وجسيمة إلى حد لا تسع هذه الحياة الدنيا القصيرة عقابهم، فيمهلون إلى عالم البقاء والخلود، وإلى المحكمة الكبرى لتقتص منهم العدالة الإلهية القصاص العادل، لذا لا يلقون غالبا عقابهم في هذه الدنيا."82 وهذا لا يعني حرمان المسلم من جميع حسنات الدنيا، فإن الله تعالى جعل له منها نصيبا، غير أنه يمكننا القول: إن النعيم المعجل للمؤمن هو بالدرجة الأولى روحي، "فالمؤمن يجد من النعيم المعنوي في هذه الدنيا ما لا يناله أسعد إنسان، فهو أسعد بكثير من الكافر من زاوية نظر الحقيقة..."83 3- المصائب تأديب وتطهير. يذكر الأستاذ أنه حين يعرض المسلمون عن تطبيق الشرائع الإسلامية، يقدر الباري تعالى مصائب وصعوبات، فيأخذ هؤلاء المسلمون المفرطون بتلك الشرائع رغما عنهم. إن الزكاة حين لا يخرجها الأغنياء، فإن العزيز الحكيم يستخرجها منهم بوجوه من الإتلاف والبلايا، فيؤدونها بالإكراه حيث لم يفعلوا بالاختيار.84 كذلك تقوم الشدائد التي يسلطها سبحانه على المسلمين بتكفير خطاياهم وتطهيرهم من آفاتهم.85 وقد يقدر الله تعالى مصيبة ما على المؤمن ليصرفه عن الدنيا وبريقها الخداع، فكأنه بذلك يحميه من وسخها.86 4- حكمة شمول المصائب الجميع، وأن ذلك عدل لا حيف فيه. إنّ شمول المصائب الجميع عدل لاحيف فيه، من ذلك الزلزال الذي لا يستثني أحدا، ولا يميز صالحا عن طالح، كما جاء في سؤال وُجِّه لبديع الزمان: "مادامت هذه الزلزلة قد نشأت من اقتراف الخطايا

Anahtar Kelimeler:

Atıf Yapanlar
Bilgi: Bu yayına herhangi bir atıf yapılmamıştır.
Benzer Makaleler


AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization

Dergi Türü :   other

AL-NUR Academic Studies on Thought and Civilization