Özet:

حوار مع الأستاذ عبد الله يكن1 تحتاج كتابة تاريخ المجتمع، لأجل المجتمع والأمة، الاستعانة بمن هيّأهم الله ليكونوا شهودا، على من أجرى الله على أيديهم صناعة التاريخ الإيجابي النافع، أو كانوا مِنْ مَنْ أجرى الله على أيديهم صنّاعته، سواء بمفردهم أو مع غيرهم من الصالحين مِنْ مَنْ أكرمهم الله بهذه المكرمة، وهي فترة عرفت بالسعي الدءوب إلى حماية مكاسب التديّن والتمكين له إثباتا (بإقامة حججه والمحاجة عنه) وتثبيتا (بحماته من الاندثار) في ظل الرغبة الجامحة في استئصاله. كانت هذه الجهود المباركة، مما أجراه الله على أيدي الصالحين من عباده، وسيلة فعّالة لإنقاذ الإيمان بالتمكين لحقائق القرآن الكريم، وكان على رأس هؤلاء المصلحين الأستاذ بديع الزمان النورسي. لأجل التأكيد على القيمة التاريخية لهذه الشهادات اختارت المجلة محاورة أوائل طلبة الأستاذ بديع الزمان النورسي، لأنّهم شهود على الرجل وقبل ذلك شهود على رسائل النور ولادة واكتمالا ونسخا ونشرا وما ترتّب عليها من معاناة وتضحيات لا يعرفها إلاّ من عايشها، نستهل الحلقة الثانية من حوارات المجلة مع من عايش حياة رسائل النور بمعايشة الأستاذ بديع الزمان، بمحاورة الأستاذ عبد الله يكن. الأستاذ عبد الله يكن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد بما أنّكم عايشتم فترة مهمّة من تاريخنا المعاصر، فإنّ محاورتكم تحقق المقاصد المشار إليها في مقدمة الحوار. نسعى من خلال محاورتكم معرفة مجمل مناحي حياة الأستاذ كما عايشتها، وبهذا الصدد رُمْنا تحقيق القول فيما يأتي: 1. النورسي الإنسان (اجتماعيا، وتربويا، وسياسيا...). 2. النورسي الأستاذ (طريقته في التربية والتعليم، وطريقته في النصيحة، وطريقته التعامل مع من عاداه...). 3. النورسي الباحث، طريقته في الرد على الشبهات والتشكيك في الإيمان وأهله. 4. النورسي المُنَظِر المُصْلِح. 5. مجموع ما سبقت الإشارة إليه، يخدم بامتياز مقصد كتابة تاريخ فكرة إصلاحية وأهم رجالها، ومناحي الاستفادة منها. متى تعرّفتم على الأستاذ، وكيف؟ من أراد أن يعرف الأستاذ بديع الزمان النورسي عليه بقراءة رسائل النور، أما عن الذكريات فكثير منها ضاع، وقد تخونني الذاكرة في استحضار كثير منها. نحاول استخراج شيء منها من خلال الحوار، أكرر السؤال متى تعرّفتم على الأستاذ، وكيف؟ تعرّفت على الأستاذ عام 1940م عندما كنت في السنة الثانية من التعليم المتوسط. أثناء زيارتكم له مع صديقكم رفعت. سألت صديقي في الصف رِفْعَتْ عن عالم يسكن قرب مخفر الشرطة (وكان ذلك في قسطموني)، هل يمكن أن نزوره، فقال رفعت هو جارنا يمكن أن نزوره، فزرناه فحدّثنا عن الإيمان والوحدانية ووظيفة الإنسان في الكون. ذكر في السيرة الذاتية للأستاذ أنّكم عند اللقاء بالأستاذ تشعرون كأنّكم ولدتم من جديد، نريد أن نفهم. الحمد لله، ففي الوقت الذي كان الشباب طائشا كنا ونحن في مقتبل العمر (16-17) شبابا متديّنين طمعا في دار البقاء، كنا كذلك كان مجرّد الحديث عن الدين رجعية وتخلّفا ومدعاة للسخرية فضلا عن كونه ممنوعا. في هذه الفترة ماذا كان يمثّل الأستاذ بالنسبة إليكم؟ ولدت وترعرت في أسرة دينية، وذكر لي والدي بأنّ الأستاذ اختير لعضوية دار الحكمة لأنّه كان عالما في الحديث النبوي الشريف وعالما بارزا، وما عرضت عليه سؤالا في أوائل الاتصال به، بل عرضتها بعد سنتين من اللقاء به. أما بالنسبة للأستاذ فقد كنا نسمع من الناس في ذلك الوقت بأنّه سيخلّص الإنسانية، ولما تعرّفت عليه كما عادته في أوّل لقاء له بالناس سألني عن اسمي أسرتي ثم بدأ الحديث معي عن القبر وأنّ هناك حياة أبدية بعد الموت كما حدّثني عن عالم البرزخ، وذكر أنّه يحاور الشباب الذي لم يفقد عقله؟ ماذا كان يميّز الأستاذ عن علماء زمانه من المصلحين؟ من أهمّ ما يميّزه أسلوبه في عرض الحقائق الإيمانية، فقد كان يركّز على الأدلة العقلية المنطقية والقلبية في عرض حقائق القرآن الكريم، كان يفعل ذلك بالرغم من كونه منفيا من سجن اسكي شهر، وفضلا عن ذلك كان يسكن قبال مخفر الشرطة وممنوع من الزيارة، بينما كان علماء زمانه للضغط الممارس عليهم لا يتناولون إلا بعض المسائل الفقهية الفرعية المتعلّقة بالصلاة والعبادات فقط. ونحن نقرأ تاريخ الأستاذ نلاحظ أنّه قدرة فائقة على استيعاب الشباب، فاذكر لنا نماذج منها. تجلياتها كثيرة منها أنّه كان يخاطبنا بالأخوة (يا أخي) فكوّن بينه وبين الشباب علاقات حميمية، ولتيسير تلك العلاقة يستهل الكلام بالمسائل المتّفق عليها وفق ترتيب علمي منطقي، فمثلا حين الحديث عن القبر يؤكّد من البداية أنّ باب القبر مفتوح ثم ينتقل إلى المسائل الأخرى. كان الاستهزاء بالدولة العثمانية والإنقاص من قيمتها الشعارات المتداولة في تلك الفترة، ومن المتداول في المدارس الرسمية أنّ الدين رجعية وتخلّف وخرافة، فكان الأستاذ يتلطّف مع الطلبة لأجل استئصال هذه الأمراض المعنوية المستعصية وما شابهها بحكمة. كيف كان يتعامل مع المخالف في الدين أو المذهب أو الرأي؟ معروف عن الأستاذ الابتعاد عن الموضوعات المختلف فيها ولا يخوض في شأن المخالفين، ولا يتدخّل في السياسة، فكان كلّ جهده منصبا على التعريف بالحقائق الإيمانية ونشرها والاجتهاد في تبليغها، فلا يتكلّم عن الأشخاص، وقصارى جهده تقريب رسائل النور للنفوس مشغول بها عن غيرها، والدليل ابتعاده عن الخلق فقد ألّفت رسالة "الآية الكبرى" في غابات قسطموني، رسالة فيها يسأل فيها الكون من الذرات إلى المجرات. عُرِف هذا العهد بزراعة اليأس وشيوع ثقافة التيئيس، ما هي طريقة الأستاذ في استئصال هذا الداء العضال وغرس الأمل في طلبته والمجتمع؟ يحقق هذا الهدف بالموازنة بين الإيمان والكفر، فيبيّن وجوب الإيمان وفوائده، وفي الوقت نفسه يبيّن خطورة الكفر على الفرد والمجتمع، يظهر هذا الأمر في الموازنة التي عقدها بين الكفر والإيمان في الشعاع السابع. خلال هذه الفترة لأيهما كانت الأولوية في رسائل النور تثبيت حقائق الإيمان أم إثباتها؟ كان الأستاذ يقصد الأمرين معا فيثبّت الحقائق الإيمانية بطلب استنساخها، ثم ترجع النسخ للأستاذ بقصد تصحيحها من جديد، وكان الطلبة المستنسخون والمستمعون يستفيدون إثبات الحقائق الإيمانية وتثبيتها في الوقت نفسه. يركّز الأستاذ كلّ جهده على التعريف برسائل النور، فلها الأولوية المطلقة مهما كانت الظروف، فلا يلفت النظر إليه في أقواله، ولكن صفاته تبقي النفوس مشدودة إليه، لماذا هذا التركيز على الرسائل والإصرار على الارتباط بالرسائل قبل الأستاذ؟ عموم الطرق الصوفية يركّزون على الشيوخ، بينما يركّز الأستاذ على رسائل النور، ولا يذكر نفسه ولا يمدحها، لأنّ رسائل النور تبقى والأستاذ وطلبة النور ذاهبون إلى عالم البقاء. هل تراه كوّن جيلا ملتفا حول رسائل النور؟ كانت نسبة الاستماع إليه في عصره تتراوح ما بين نِصْف العُشُر (5 %) وعُشُر (10 %) مكونات المجتمع، بينما الآن ترى بأن رسائل النور حاضرة في كل تركيا وفي كثير من البلاد الشرقية والغربية، كان كلّ جهده منصبا على البلاغ (وما على الرسول إلا البلاغ)، أما النتائج فهي على ربّ الأرباب، ونحن ننشغل بما كلّفنا وهذا هو المهم بالنسبة إلينا. لكن من مقتضيات البلاغ أخذ الأسباب الجعلية وفق سنن الله في الخلق. مما يعين على تحقيق تلك الأمور التزام الفرائض وترك الكبائر وقراءة رسائل النور، فكان يوصي بالرسائل كثيرا لأنّها تعين على الفهم وتشحذ الهمم، يؤكّده وصيته الدائمة بها، فكان إذا همّ بالانتقال من مدينة إلى أخرى، إلى أن رحل إلى دار البقاء، يوصي بترك الكبائر والتزام الفرائض وقراءة رسائل النور. صف شعورك عندما علمت بأنّه قادم إلى أورفة. قبل مقدمه إلى أورفة، قلت له أستاذنا تتجولون وتزورون كثيرا من المدن ولا تزورون أورفة، فقال: هل توجد عندكم رسائل النور، قلت نعم، قال إذن أنا موجود في أورفة، فلا لزوم للذهاب إليها، وحيثما وجدت الرسائل فأنا موجود، من أراد أن يلتقي بي فليقرأ رسائل النور. كيف كان تجاوب أهل أورفة مع مقدم الأستاذ، وهل كان موقف رجال الشرطة واحدا متجانسا، وماذا كان موقفكم من تصرفاتهم؟ رجال الشرطة صدر إليهم أمر من وزارة الداخلية، وعندما دخلوا على الأستاذ، قال لهم: أنا جئت إلى أورفة لأموت، وبعدها صدر القرار الطبي بعدم إمكان نقله من مكان إقامته، ونسجل بهذا الصدد أنّ أحد نواب الحزب الديمقراطي تدخل لدى وزارة الداخلية محتجا على هذه التصرفات قائلا بأنّ الأستاذ هو ضيفنا، وللتاريخ فقد كنا مستعدين للتدخّل لأجل منع نقله إلى مكان آخر. ومما نسجّله بهذا الصدد أنّ الأستاذ ما كان يسمح بتقبيل يده، ولكنّه لم يمانع بالنسبة لأهل أورفة الذين أحاطوا به من كلّ جانب. دخل الأستاذ أورفة يوم الاثنين وليلة الثلاثاء صبيحة الأربعاء غادرنا إلى عالم البقاء، رحمه الله رحمة واسعة. تدخّل النائب البرلماني وإن كان من حزب معارض (الحزب الديمقراطي) (عدنان مندريس) في ظل هذه الظروف المشحونة بمعاداة الدين يؤكّد أننا لا نعدم أهل الخير ومن يخدمون الدين حتى في ظل الظروف القاسية، هل كان النائب الوحيد أم كان في المجتمع غيره؟ يعود سبب الدفاع عن الأستاذ إلى اكتشاف الناس لقيمته بعد قراءة رسائل النور، فبعد قراءتها أدركوا أنّه رجل كبير معنويا، ومهما تحدّثنا عن الأستاذ فإنّنا لا نعرفه كما يعرفه من درس رسائل النور، ولا شك أنّه يعرفه أحسن منا. ذكر أنّ طبيبا زاره لأجل التقرير الطبي، فخرج الطبيب من غرفته وبعد أن تعرّف عليه وقال لكم يا خسارتي كيف لم أتعرّف على الأستاذ قبل هذا العهد، أنا مدين بقضاء الفوائت، كيف كان تجاوبكم مع ما سمعتم؟ ذكر الطبيب أنّ عليه قضاء فوائت الصلاة لأنّ الأستاذ ذكّره بالصلاة وأوصاه بها وذكّره بوجوب أدائها، فخرج الرجل من الغرفة الأستاذ وهو يذكر حسرته على ما فاته من فوائت الصلاة وعلى تأخّر تعرّفه على الأستاذ، وعندما سمعنا هذا منه سررنا بهذا الأمر. شعوركم وأنتم تشاركون في تغسيل الأستاذ بمشاركة الإخوة (خلوصي وزبير وبيرم) تحت إشراف الملا حميد أفندي. بعد التأكّد من وفاته، فكّرنا، وقلنا بأنّ الموت حق، وأنّ رسائل النور تخدم نفسها بنفسها، وموت الأستاذ لا يمنع من الاستمرار في خدمة رسائل النور، فقد كان الأستاذ في آخر عهد له بالحياة يستحلفنا بالله على عدم ترك الرسائل والثبات على خدمتها وعدم التفريط بها، ويؤكّد على استمرار الدعوة بالطلبة ثم بالذين بعدهم، وقد شعرنا أثناءها بثقل الأمانة وعظم المسؤولية الملقاة على عواتقنا، وكنا على أتمّ الاستعداد للخدمة. ماذا تقولون في المصطلحات الآتية: أهل التصوف، والصحابة، وأهل البيت. طريق رسائل النور وجها من وجوه مسلك الصحابة (رضي الله عنهم)، بخلاف مسلك أهل الطرق فإنّه طويل، مسلك الرسائل يربطك بالقرآن الكريم مباشرة من خلال حقائق القرآن الكريم ومسائل الإيمان، مسلكنا يعتمد الكليات المتفق عليها، وبالرغم من التميّز عن مسلك التصوف والتأكيد على الفوارق فإنّ الأستاذ يثمّن إيجابيات الطرق ويقدّرها، وكان يلتقي برجال الطرق ويحاول إقناعهم بأنّ العصر هو عصر الحقائق الإيمانية وليس عصر الطرق الصوفية، ويطلب منهم قراءة رسائل النور والاستفادة منها. أما عن أهل البيت، فإنّ طلاب رسائل النور هم من أهل البيت معنويا، لأنّهم أخذوا الدرس عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). نريد بيانا لمصطلحات كثيرة الورود في رسائل النور: الشفقة، والعجز، والفقر. الشفقة أعلى مقاما من العشق لأنّه بدون مقابل، إذ العشق لا يكون إلاّ بمقابل بخلاف الشفقة، أما العجز، فإنّ من امتلأ قلبه بالإقرار بالعجز أمام الله لا يأمن نفسه من أن توقع في المهالك، ويسلم أمره لله تعالى ولا يأمن غير الله عليها، والفقر الاحتياج المطلق لله تعالى وفي كلّ الأحوال. ماذا تقول في المصطلحات الآتية: الصناعة والتجارة والعلم والتعليم. نحن بحاجة إلى الترقي وفي الوقت نفسه نحن بحاجة إلى الترقي المعنوي، وهذا بحاجة إلى الاتحاد، وهذا بدوره بحاجة إلى معرفة الأسس التي يقوم عليها الاتحاد، منها أن تقول إنّ منهجي أحق من منهج عيري، ولكن لا يمكنك أن تقول بأنّ منهجي هو الأحق، الذي يعني أن الآخرين على باطل. لأنّ الاتفاق على الأول أحسن من الخلاف والفرقة، ولو ملنا عن هذا المسلك لأفضى إلى التنافي والإقصاء. نواصل في السياق نفسه، ماذا تمثّل الكلمات الآتية: الأمة الإسلامية، والشريعة، الرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم. نعد كلّ من يحب الرسول صلى الله عليه وسلم فردا من الأمة الإسلامية، والشريعة بالنسبة إلينا هي قانون الله وهي القرآن والسنّة المطهّرة، بينما عند عموم الناس لخصت الشريعة في تطبيق الحدود فقط، وفضلا عن هذا فالرسائل لم تعرض الشريعة تفصيلا بل لخّصت مهمّتها في التعريف بحقائق القرآن الإيمانية لأجل إنقاذ الإيمان ومن ثمَّ الإنسان. أما الرسول صلى الله عليه وسلم وباختصار شديد فهو بذرة طوبى الجنّة وهو رحمة الله المهداة إلى الخلق (راجع في تعريف القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم والشريعة الكلمة 12 "مقارنة بين مدينة القرآن ومدينة الإنسان" نهاية الكلمات في اللوامع). هل عُرِف عن الأستاذ ذكر نكت وطرائف، وهل من شيء وقع لك شخصيا معه أو بحضورك؟ نعم عُرِف عن الأستاذ ذكر نكت وطرائف، ولكنه كان قليلا ما يذكر ذلك، منها أنّ أحد الإخوة أتى بحبة كبيرة من البطيخ الأحمر "الدُلاع"، فسأله الأستاذ هل أنت الذي ستأكلها، فقال: نعم، فقال له الأستاذ: ما شاء الله عندنا أبطال كبار، ولكن النكت ليست هي السمة العامة، فكان يطبع تصرفاته الجد. حادثة وقعت لك مع الأستاذ بقيت عالقة في ذهنك؟ تذكرني هذه المسألة بحرص الأستاذ على أداء الصلوات في وقتها حتى في حال السفر، فبمجرّد معرفته بدخول الوقت يهمّ بأداء الصلاة، وأذكر أنّه لأجل المحافظة على أداء الصلاة في وقتها كلّفني بكتابة مواقيت الصلاة على التقويم السنوي. تكليفك بكتابة مواقيت الصلاة على التقويم السنوي، يفيد أنّه كان يعرف مميزات طلبته فردا فردا، ويكلّفهم بالأعمال كلّ بحسب استعداده، أليس كذلك؟ نعم، يقسّم الأستاذ الأعمال على الطلبة بحسب الاستعدادات والقابليات، فما يكلّف طالبا يخالف عما يكلّف به غيره، وما خصّ به هذا غير الذي خصّ بذاك، وكلّ ذلك يؤكّد ما سبقت الإشارة إليه. أذكر لنا أمرا خصّك به الأستاذ. الأمر الذي خصّني به الأستاذ هو إرسالي إلى أورفة، وقال لي اذهب إليها وانتظرني فيها سآتي، ولكنّه أتى بعد عشر سنوات. ماذا يمثّل بالنسبة إليك تاريخ 25 من رمضان و 23 من مارس من كلّ عام؟ يمثلان تاريخ وفاة الأستاذ (رحمه الله). هل هو يوم لتقديم الحصيلة أم يوم لتجديد الصلة؟ كلاهما. ما هي الأمور التي تتمنى وقوعها، أو تنتظر وقوعها؟ كانت إستانبول عاصمة العالم الإسلامي ومركزه، ونتمنى في المستقبل أن تصبح كذلك، كما نتمنى اتحاد الشرق كلّه، وقد ذكر الأستاذ أنّ الشرق سيتّحد ويكون قوّة فعّالة في العالم. ما هي الأمور التي تتمنى القيام بها اجتماعيا في المستقبل؟ نشر ثقافة التصالح في الأرض، وذلك من خلال الصلح العمومي بين مكوّنات المجتمع ثم بين مكوّنات الأمة، لننتقل إلى الصلح بين مختلف مكوّنات الأسرة الإنسانية. يقوم التفكير في الصلح بين مكوّنات الأسرة الإنسانية على توفّر الأمن والاستقرار ثم التعاون، فما هي أسس صناعة المستقبل؟ نحن لا نعمل لحكم العالم سياسيا لأن غايتنا أخروية، وأسس صناعة المستقبل بيّنتها رسائل النور، والذي يقرأ الرسائل سيكتشف الأسس المشار إليها، بهذا ننصح بقراءة الرسائل، والحمد لله فالرسائل موجودة في كلّ بلاد العالم الغربي والشرقي. نصيحة لقرّاء رسائل النور. ننصحهم بالمداومة والمثابرة على قراءتها، واجتناب الكبائر وأداء الفرائض والتعاون، والعمل على نشرها في كلّ بلدان العالم الإسلامي والغربي. ما سبيل دفع استعمال رسائل النور لما يتعارض ومقاصدها؟ من كانت تعاليمه وفق تعاليم رسائل النور وكان مسلكه قائما على مسلك الإيمان وحقائق القرآن فهو منا ونحن منه، ومن خرج عن تعاليمها ومسلكها فهو ليس من مسلكنا ولا من خطّنا، لأنّ الحقائق الإيمانية ثابتة لا تتغيّر والثبات عليها هو المطلوب، ومن توجّه إلى جهات أخرى غير التي أشرنا إليها قطعنا صلتنا به. نصيحة للأمة الإسلامية والأسرة الإنسانية. ليس هناك عبث في الكون فالذي خلق النمل خلق لها رئيسا، والذي خلق النحل خلق لها أيضا رئيسا، وكذلك البشر خلق لهم رئيسا ورئيسهم هو الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم يقودهم إلى سعادة الدارين الدنيا والآخرة، فمن أراد صلاح دنياه وأخراه فعليه باتّباع الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم. بعد سبعين عاما من الجد والاجتهاد في التبليغ، هل يمكن أن يقال بأنّ مشروع الإصلاح وفق التصور الذي تعرضه رسائل النور قد نجح؟ تحققت بعض أهداف هذا المشروع ويعضها الآخر لم يتحقق، وعلى رأس ما تحقق أنّ رسائل النور لن تمنع في المستقبل، وستقرأ في كلّ بلدان العالم كما كانت أمنية الأستاذ، وذلك بفضل المدارس النورية المنتشرة عبر العالم الغربي والشرقي، وسمعت كلاما نُقِل عن الأستاذ لم أسمعه منه مباشرة، مفاده أنّ حكومة ستأتي في المستقبل تجعل من رسائل النور أساس برنامجها. رسائل النور تركّز على العلم وتقسيم الأعمال (النظام) والوحدة والتعاون أساسا لدفع الأعداء، لأنّ الجهاد الآن هو جهاد العلم، هل أنشأت رسائل النور ثقافة الإقبال على العم والوحدة والانتظام؟ التدافع بين الإيمان والكفر سنة كونية ماضية وهو مستمر إلى يوم القيامة، ونحن مكلّفون بالعمل خدمة للحقائق الإيمانية وتبليغها للناس كافة، فليس من وظيفتنا السؤال عن النتائج، بل تتلخّص وظيفتنا في الخدمة. نترك لكم ختم الحوار، فماذا تقولون؟ وظيفتنا الخدمة الإيمانية وليس منها انتظار النتائج، فالنتائج على الله، وصلنا أم لم نصل هذا ليس من شأننا، وبهذا الصدد أذكر قصة، سئلت نملة وهي في طريقها إلى الحج، كيف تقوين على اختراق هذه الجبال؟ فقالت: أنا لا يهمني الطريق، فإن مِتُّ فأنا متّجهة إلى الكعبة وهذا يكفيني. * * * الهوامش: 1 عبد اللّٰه يكن تعرف على الأستاذ النورسي وهو في الصف الثاني من الدراسة المتوسطة في قسطموني. (1940-1941) والتحق بقافلة النور وأنهى كلية (التاريخ والجغرافية واللغات) في أنقرة ومازال طالبا للنور، أطال اللّٰه عمره بإحسان.

Anahtar Kelimeler: